responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 402
وَالِاسْتِفْهَامُ الْمَحْكِيُّ عَنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُضَمَّنٌ مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ مِنْ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْحِكْمَةُ بِذَلِكَ فَدَلَالَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ مَعَ تَطَلُّبِ مَا يُزِيلُ إِنْكَارَهُمْ وَاسْتِبْعَادَهُمْ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ بَقَاءُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّعَجُّبِ، وَالَّذِي أَقْدَمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَرَادَ مِنْهُمْ إِظْهَارَ عِلْمِهِمْ تُجَاهَ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُمْ مَفْطُورُونَ عَلَى الصِّدْقِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْ كُلِّ مُؤَارَبَةٍ فَلَمَّا نَشَأَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ أَفْصَحَتْ عَنْهُ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى من أَحْوَالهم لَا سِيمَا إِذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِشَارَةِ أَنْ يُبْدِيَ الْمُسْتَشَارُ مَا يَرَاهُ نُصْحًا
وَفِي الْحَدِيثِ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ وَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»
يَعْنِي إِذَا تَكَلَّمَ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ أَمَانَةِ النَّصِيحَةِ.
وَعَبَّرَ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْكَلَامِ وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ وَالتَّعَجُّبُ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْفَسَادُ وَالسَّفْكُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْمِيرِ لِأَنَّهُ إِذَا عُمِّرَ نَقْضَ مَا عَمَّرَهُ. وَعَطْفُ سَفْكِ الدِّمَاءِ عَلَى الْإِفْسَادِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ. وَتَكْرِيرُ ضَمِيرِ (الْأَرْضِ) لِلِاهْتِمَامِ بِهَا وَالتَّذْكِيرِ بِشَأْنِ عُمْرَانِهَا وَحِفْظِ نِظَامِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْخَلَ فِي التَّعَجُّبِ مِنِ اسْتِخْلَافِ آدَمَ وَفِي صَرْفِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي الِاسْتِشَارَةِ ائْتِمَارٌ.
وَالْإِفْسَادُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [الْبَقَرَة: 12] .
وَالسَّفْكُ الْإِرَاقَةُ وَقَدْ غَلَبَ فِي كَلَامِهِمْ تَعْدِيَتُهُ إِلَى الدِّمَاءِ وَأَمَّا إِرَاقَةُ غَيْرِ الدَّمِ فَهِيَ سَفْحٌ بِالْحَاءِ. وَفِي الْمَجِيءِ بِالصِّلَةِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً دَلَالَةٌ عَلَى تَوَقُّعِ أَنْ يَتَكَرَّرَ الْإِفْسَادُ وَالسَّفْكُ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوقِ وَإِنَّمَا ظَنُّوا هَذَا الظَّنَّ بِهَذَا الْمَخْلُوقِ مِنْ جِهَةِ مَا اسْتَشْعَرُوهُ مِنْ صِفَاتِ هَذَا الْمَخْلُوقِ الْمُسْتَخْلَفِ بِإِدْرَاكِهِمُ النُّورَانِيِّ لِهَيْئَةِ تَكْوِينِهِ الْجَسَدِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالنُّطْقِيَّةِ إِمَّا بِوَصْفِ اللَّهِ لَهُمْ هَذَا الْخَلِيفَةَ أَوْ بِرُؤْيَتِهِمْ صُورَةَ تَرْكِيبِهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَبَعْدَهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ تَرْكِيبٌ يَسْتَطِيعُ صَاحِبُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْجِبِلَّةِ إِلَى الِاكْتِسَابِ وَعَنِ الِامْتِثَالِ إِلَى الْعِصْيَانِ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَشْتَمِلُ عَلَى شَاهِيَةٍ وَغَاضِبَةٍ وَعَاقِلَةٍ وَمِنْ مَجْمُوعِهَا وَمَجْمُوعِ بَعْضِهَا تَحْصُلُ تَرَاكِيبُ مِنَ التَّفْكِيرِ نَافِعَةٌ وَضَارَّةٌ، ثُمَّ إِنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي فِي الْجَوَارِحِ تَسْتَطِيعُ تَنْفِيذَ كُلِّ مَا يَخْطُرُ لِلْعَقْلِ وَقُوَاهُ أَنْ يَفْعَلَهُ ثُمَّ إِنَّ النُّطْقَ يَسْتَطِيعُ إِظْهَارَ
خِلَافِ الْوَاقِعِ وَتَرْوِيجَ الْبَاطِلِ، فَيَكُونُ مِنْ أَحْوَالِ ذَلِكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ وَمِنْ أَحْوَالِهِ أَيْضًا صَلَاحٌ عَظِيمٌ وَإِنَّ طَبِيعَةَ اسْتِخْدَامِ ذِي الْقُوَّةِ لِقُوَاهُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي بِكُلِّ مَا تَصْلُحُ لَهُ هَذِهِ الْقُوَى خَيْرُهَا وَشَرُّهَا فَيَحْصُلُ فِعْلٌ مُخْتَلَطٌ مِنْ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 402
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست