responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 317
يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ [الْبَقَرَة: 20] . الْآيَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَجِيءُ فِيهِ مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17] إِلَخْ. فَشُبِّهَتْ حَالُ الْمُنَافِقِينَ بِحَالِ قَوْمٍ سَائِرِينَ فِي لَيْلٍ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَصَابَهَا الْغَيْثُ وَكَانَ أَهْلُهَا كَانِّينَ فِي مَسَاكِنِهِمْ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [الْبَقَرَة: 20] فَذَلِكَ الْغَيْثُ نَفَعَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُصِبْهُمْ مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ مِنَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ ضُرٌّ وَلَمْ يَنْفَعِ الْمَارِّينَ بِهَا وَأَضَرَّ بِهِمْ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، فَالصَّيِّبُ مُسْتَعَارٌ لِلْقُرْآنِ وَهُدَى الْإِسْلَامِ وَتَشْبِيهُهُ بِالْغَيْثِ وَارِدٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى كَمَثَلِ الْغَيْثِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ»
إِلَخْ. وَفِي الْقُرْآنِ: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ [الْحَدِيد: 20] .
وَلَا تَجِدُ حَالَةً صَالِحَةً لِتَمْثِيلِ هَيْئَةِ اخْتِلَاطِ نَفْعٍ وَضُرٍّ مِثْلَ حَالَةِ الْمَطَرِ وَالسَّحَابِ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ التَّمْثِيلِ الْقُرْآنِيِّ، وَمِنْهُ أَخَذَ أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلَهُ:
فَتًى كَالسَّحَابِ الْجَوْنِ يُرْجَى وَيُتَّقَى ... يَرَجَّى الْحَيَا مِنْهُ وَتُخْشَى الصَّوَاعِقُ
وَالظُّلُمَاتُ مُسْتَعَارٌ لِمَا يَعْتَرِي الْكَافِرِينَ مِنَ الْوَحْشَةِ عِنْدَ سَمَاعِهِ كَمَا تَعْتَرِي السَّائِرَ فِي اللَّيْلِ وَحْشَةُ الْغَيْمِ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ عَنْهُ ضَوْءَ النُّجُومِ وَالْقَمَرِ، وَالرَّعْدُ لِقَوَارِعِ الْقُرْآنِ وَزَوَاجِرِهِ، وَالْبَرْقُ لِظُهُورِ أَنْوَارِ هَدْيِهِ مِنْ خِلَالِ الزَّوَاجِرِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمُرَكَّبَ التَّمْثِيلِيَّ صَالِحٌ لِاعْتِبَارَاتِ تَفْرِيقِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ أَعْلَى التَّمْثِيلِ.
وَالصَّيِّبُ فَيْعَلٌ مِنْ صَابَ يُصُوبُ صَوْبًا إِذَا نَزَلَ بِشِدَّةٍ، قَالَ الْمَرْزُوقِيُّ إِنَّ يَاءَهُ لِلنَّقْلِ مِنَ الْمَصْدَرِيَّةِ إِلَى الْإِسْمِيَّةِ فَهُوَ وَصْفٌ لِلْمَطَرِ بِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ كَثَافَةِ السَّحَابِ وَمِنْ ظَلَامِ اللَّيْلِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ السَّماءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِلصَّيِّبِ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ جِيءَ بِهِ
لِزِيَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الصَّيِّبِ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ إِطْنَابٍ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

إِذْ قَدْ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ السَّيْلَ لَا يَحُطُّ جُلْمُودَ صَخْرٍ إِلَّا مِنْ أَعْلَى وَلَكِنَّهُ أَرَادَ التَّصْوِيرَ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: 38] ، وَقَوْلِهِ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ [الْأَنْعَام: 71] وَقَالَ تَعَالَى: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الْأَنْفَال: 32] .
وَالسَّمَاء تُطْلَقُ عَلَى الْجَوِّ الْمُرْتَفِعِ فَوْقَنَا الَّذِي نَخَالُهُ قُبَّةً زَرْقَاءَ، وَعَلَى الْهَوَاءِ الْمُرْتَفِعِ قَالَ تَعَالَى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ [إِبْرَاهِيم: 24] وَتُطْلَقُ عَلَى السَّحَابِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَطَرُُِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 317
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست