responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 449
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ صَارَفَهُمْ عَنِ الْحَقِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً، أَيْ وَافْتِرَاؤُهُمْ، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ يَفْتَرُونَهُ.
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا:
أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْإِنْسِيَّ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، وَذَكَرَ أَنَّ الْجِنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِأَثَرِ قِصَّةِ هُودٍ وَقَوْمِهِ، لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ. وَالْجِنُّ تُوصَفُ أَيْضًا بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [1] . وَإِنَّ مَا أُهْلِكَ بِهِ قَوْمُ هُودٍ هُوَ الرِّيحُ، وَهُوَ مِنَ الْعَالَمِ الَّذِي لَا يُشَاهَدُ، وَإِنَّمَا يُحَسُّ بِهُبُوبِهِ. وَالْجِنُّ أَيْضًا مِنَ الْعَالَمِ الَّذِي لَا يُشَاهَدُ. وَإِنَّ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَرَبِ، فَهَذِهِ تَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُنَاسَبَةً لِهَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا. وَفِيهَا أَيْضًا تَوْبِيخٌ لِقُرَيْشٍ وَكُفَّارِ الْعَرَبِ، حَيْثُ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْكِتَابُ الْمُعْجِزُ، فَكَفَرُوا بِهِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الَّذِي أُنْزِلَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَمِنْ جِنْسِ الرَّسُولِ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ. وَهَؤُلَاءِ جِنٌّ، فَلَيْسُوا مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِمْ سَمَاعُ الْقُرْآنِ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بِخِلَافِ قُرَيْشٍ وَأَمْثَالِهَا، فَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ.
وَإِذْ صَرَفْنا: وَجَّهْنَا إِلَيْكَ. وَقَرَأَ: صَرَّفْنَا، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَالتَّكْثِيرُ بِحَسْبِ الْحَالِ. نَفَراً مِنَ الْجِنِّ، وَالنَّفَرُ دُونَ الْعَشَرَةِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَنْفَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا سَبْعَةً، مِنْهُمْ زَوْبَعَةُ. وَالَّذِي يَجْمَعُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ، أَنَّ قِصَّةَ الْجِنِّ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الطَّائِفِ، وَكَانَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ يَسْتَنْصِرُهُمْ فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السِّيَرِ.
فَرُوِيَ أَنَّ الْجِنَّ كَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَلَمَّا بُعِثَ الرَّسُولُ، حُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُمِيَ الْجِنُّ بِالشُّهُبِ، قَالُوا: مَا هَذَا إِلَّا أَمْرٌ حَدَثَ. وَطَافُوا الْأَرْضَ، فَوَافَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي نَخْلَةَ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَاسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ بِاسْتِمَاعِهِمْ.
وَالْمَرَّةُ الْأُخْرَى:
أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يُنْذِرَ الْجِنَّ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى الْجِنِّ فَمَنْ يَتْبَعُنِي» ، قَالَهَا ثَلَاثًا، فَأَطْرَقُوا إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ غَيْرِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي شِعْبِ الْحَجُونِ، خَطَّ لِي خَطًّا وقال:

[1] سورة النمل: 27/ 39.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 449
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست