responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 317
ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَقَالَ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ. قَالَ أَبُو الْمِنْهَالِ، وَالسُّدِّيُّ، وَجَمَاعَةٌ: هُوَ وَعِيدٌ لِلْكَفَّارِ بِمَا يَفْتَحُهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الْأَقْطَارِ حَوْلَ مَكَّةَ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَرْضِ كَخَيْبَرَ. وَفِي أَنْفُسِهِمْ: أَرَادَ بِهِ فَتْحَ مَكَّةَ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الْإِخْبَارَ بِالْغَيْبِ، وَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ: فِي الْآفاقِ: مَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ قَدِيمًا، وَفِي أَنْفُسِهِمْ: يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ زَيْدٍ: فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، وَأَرَادَ الْآيَاتِ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالرِّيَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ عِبْرَةُ الْإِنْسَانِ بِجِسْمِهِ وَحَوَاسِّهِ وَغَرِيبِ خِلْقَتِهِ وَتَدْرِيجِهِ فِي الْبَطْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَنُبِّهُوا بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ لَفْظِ سَنُرِيهِمْ، لِأَنَّ هَلَاكَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ قَدِيمًا، وَآيَاتِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُرِيبًا لَهُمْ، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ.
وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَذَيَّلَهُ فَقَالَ: يَعْنِي مَا يَسَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنْصَارِ دِينِهِ فِي آفَاقِ الدُّنْيَا، وَبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عُمُومًا، وَفِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ خُصُوصًا مِنَ الْفُتُوحِ الَّتِي لَمْ يَتَيَسَّرْ أَمْثَالُهَا لِأَحَدٍ مِنَ خَلْقِ الْأَرْضِ قَبْلَهُمْ، وَمِنَ الْإِظْهَارِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ، وَتَغْلِيبِ قَلِيلِهِمْ عَلَى كَثِيرِهِمْ، وَتَسْلِيطِ ضِعَافِهِمْ عَلَى أَقْوِيَائِهِمْ، وَإِجْرَائِهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ أُمُورًا خَارِجَةً عَنِ الْمَعْهُودِ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، وَنَشْرِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَقْطَارِ الْمَعْمُورَةِ، وَبَسْطِ دَوْلَتِهِ فِي أَقَاصِيهَا، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُطْلِعُكُ فِي التَّوَارِيخِ وَالْكُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَشَاهِدِ أَهْلِهِ، وَأَيَّامِهِمْ عَلَى عَجَائِبَ لَا تَرَى وَقْعَةً مِنْ وَقَائِعِهِمْ إِلَّا عَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ اللَّهِ وَآيَةً مِنْ آيَاتِهِ تَقْوَى مَعَهَا النَّفْسُ وَيَزْدَادُ بِهَا الْإِيمَانُ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَحِيدُ عَنْهُ إِلَّا مُكَابِرٌ خَبِيثٌ مُغَالِطٌ نَفْسَهُ. انْتَهَى مَا كَتَبْنَاهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ: أَيِ الْقُرْآنُ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الشَّرْعِ هُوَ الْحَقُّ، إِذْ وَقَعَ وَفْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الغيب، وبِرَبِّكَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، التَّقْدِيرُ: أَوَلَمْ يَكْفِكَ أَوْ يَكْفِهِمْ رَبُّكَ، وأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ بَدَلٌ مِنْ رَبِّكَ. أَمَّا حَالَةُ كَوْنِهِ مَجْرُورًا بِالْبَاءِ، فَيَكُونُ بَدَلًا عَلَى اللَّفْظِ. وَأَمَّا حَالَةُ مُرَاعَاةِ الْمَوْضِعِ، فَيَكُونُ بَدَلًا عَلَى الْمَوْضِعِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى إِضْمَارِ الْحَرْفِ أَيْ أَوَلَمْ يَكْفِ رَبُّكَ بِشَهَادَتِهِ، فَحُذِفَ الْحَرْفُ، وَمَوْضِعُ أَنَّ عَلَى الْخِلَافِ، أَهْوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ؟ وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ بِرَبِّكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَفَاعِلُ كَفَى إِنَّ وَمَا بَعْدَهَا، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ: أَوَلَمْ يكف ربك شهادته؟ وقرىء: إِنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى إِضْمَارِ القول، وألا اسْتِفْتَاحٌ تُنَبِّهُ السَّامِعَ عَلَى مَا يُقَالُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ: فِي مُرْيَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَإِحَاطَتُهُ تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ عِلْمُهُ بِهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَهُوَ يُجَازِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمِرْيَتِهِمْ فِي لِقَاءِ رَبِّهِمْ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 317
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست