responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 6  صفحه : 328
فَقَالَ: قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا
أَيْ: صَادِقَةً، رَأَيْتُ مَا يَقَعُ لِي فِي الْمَنَامِ يَقَظَةً، لَا بَاطِلَ فِيهَا وَلَا لَغْوَ. وَفِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رُؤْيَاهُ وَسُجُودِهِمْ خِلَافٌ مُتَنَاقِضٌ. قِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ رُتَبِ الْعَدَدِ. وَكَذَا الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَامَ يَعْقُوبُ فِيهَا بِمِصْرَ عِنْدَ ابْنِهِ يُوسُفَ خِلَافٌ متناقض، وأحسن أَصْلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى بِإِلَى قَالَ: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [1] وَقَدْ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [2] كَمَا يُقَالُ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً ... لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ
وَقَدْ يَكُونُ ضَمِنَ أَحْسَنَ مَعْنَى لَطَفَ، فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ، وَذَكَرَ إِخْرَاجَهُ مِنَ السِّجْنِ وَعَدَلَ عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْجُبِّ صَفْحًا عَنْ ذِكْرِ مَا تَعَلَّقَ بِقَوْلِ إِخْوَتِهِ، وَتَنَاسَيًا لِمَا جَرَى مِنْهُمْ إِذْ قَالَ:
لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [3] وَتَنْبِيهًا عَلَى طَهَارَةِ نَفْسِهِ، وَبَرَاءَتِهَا مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُرَاوَدَةِ. وَعَلَى مَا تَنَقَّلَ إِلَيْهِ مِنَ الرِّيَاسَةِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السِّجْنِ بِخِلَافِ مَا تَنَقَّلَ إِلَيْهِ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْجُبِّ، إِلَى أَنْ بِيعَ مَعَ الْعَبِيدِ، وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنَ الْبَادِيَةِ. وَكَانَ يَنْزِلُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَطْرَافِ الشَّامِ بِبَادِيَةِ فِلَسْطِينَ، وَكَانَ رَبَّ إِبِلٍ وَغَنَمٍ وَبَادِيَةٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَانُوا أَهْلَ عَمَدٍ وَأَصْحَابَ مَوَاشٍ يَتَنَقَّلُونَ فِي الْمِيَاهِ وَالْمَنَاجِعِ. قِيلَ: كَانَ تَحَوَّلَ إِلَى بَادِيَةٍ وَسَكَنَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. وَقِيلَ: كَانَ خَرَجَ إِلَى بَدَا وَهُوَ مَوْضِعٌ وَإِيَّاهُ عَنَى جَمِيلٌ بِقَوْلِهِ:
وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ شَعْبًا إِلَى بَدَا ... إِلَيَّ وَأَوْطَانِي بِلَادٌ سِوَاهُمَا
وَلِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مَسْجِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ. يُقَالُ: بَدَا الْقَوْمُ بَدْوًا، إِذَا أَتَوْا بَدَا كَمَا يُقَالُ: غَارُوا غَوْرًا، إِذَا أَتَوُا الْغَوْرَ. وَالْمَعْنَى: وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ مَكَانٍ بَدَا، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَابَلَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نِعْمَةَ إِخْرَاجِهِ مِنَ السِّجْنِ بِمَجِيئِهِمْ مِنَ الْبَدْوِ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ، وَزَوَالِ حُزْنِ أَبِيهِ.
فَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَنْقُلُهُ مِنَ الْبَادِيَةِ إِلَى الْحَاضِرَةِ»
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ أَيْ أَفْسَدَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَزَغَ، وَأَسْنَدَ النَّزْغَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ الْمُوَسْوِسُ كَمَا قَالَ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها [4] وَذَكَرَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ أَمْرِ أُخْوَتِهِ، لِأَنَّ النِّعْمَةَ إِذَا جَاءَتْ

[1] سورة القصص: 28/ 77.
[2] سورة البقرة: 2/ 83.
[3] سورة يوسف: 12/ 92.
[4] سورة البقرة: 2/ 36.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 6  صفحه : 328
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست