responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 277
قَوْمٌ الْآيَةَ عَلَى مَعْنَى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ، فَمَنْ أُعْطِيَ دِيَةَ الْجُرْحِ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ إِذَا رُضِيَتْ مِنْهُ وَقُبِلَتْ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: وَمَنْ يَتَصَدَّقْ بِهِ فَإِنَّهُ كَفَّارَةٌ لَهُ.
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ نَاسَبَ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْكَافِرِينَ، لِأَنَّهُ جَاءَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [1] الْآيَةَ فَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِجَمِيعِهَا، بَلْ يُخَالِفُ رَأْسًا. وَلِذَلِكَ جَاءَ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [2] وَهَذَا كُفْرٌ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ الْكَافِرِينَ. وَهُنَا جَاءَ عَقِيبَ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ مِنْ أَمْرِ الْقَتْلِ وَالْجُرُوحِ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ الظُّلْمِ الْمُنَافِي لِلْقِصَاصِ وَعَدَمِ التَّسْوِيَةِ، وَإِشَارَةً إِلَى مَا كَانُوا قَرَّرُوهُ مِنْ عَدَمِ التَّسَاوِي بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ.
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ التَّوْرَاةَ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ، ذَكَرَ أَنَّهُ قَفَّاهُمْ بِعِيسَى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَنْوِيهًا بِاسْمِهِ، وَتَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ الْيَهُودُ فِيهِ، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مُصَدِّقِي التَّوْرَاةِ.
وَمَعْنَى: قَفَّيْنَا، أَتَيْنَا بِهِ، يَقْفُو آثَارَهُمْ أَيْ يَتْبَعُهَا. وَالضَّمِيرُ فِي آثارهم يعود على النبيين مِنْ قَوْلِهِ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [3] وَقِيلَ: عَلَى الَّذِينَ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.
وَعَلَى آثَارِهِمْ، مُتَعَلِّقٌ بِقَفَّيْنَا، وَبِعِيسَى مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْضًا. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ أَيْ: ثُمَّ جِئْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَافِيًا لَهُمْ، وَلَيْسَ التَّضْعِيفُ فِي قَفَّيْنَا لِلتَّعْدِيَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّعْدِيَةِ مَا جَاءَ مَعَ الْبَاءِ الْمُعَدِّيَةِ، وَلَا تَعَدَّى بِعَلَى. وَذَلِكَ أَنَّ قَفَا يَتَعَدَّى لِوَاحِدٍ قَالَ تَعَالَى:
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [4] وَتَقُولُ: قَفَا فُلَانٌ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعَهُ، فَلَوْ كَانَ التَّضْعِيفُ لِلتَّعَدِّي لَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ مَنْصُوبَيْنِ، وَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ: ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَكَانَ يَكُونُ عِيسَى هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَآثَارِهِمْ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ، لَكِنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى جَاءَ وَعُدِّيَ بِالْيَاءِ، وَتَعَدَّى إِلَى آثَارِهِمْ بِعَلَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَفَّيْتُهُ مِثْلَ عَقِبْتُهُ إِذَا اتَّبَعْتَهُ، ثُمَّ يُقَالُ: قَفَّيْتُهُ بِفُلَانٍ وَعَقِبْتُهُ بِهِ، فَتُعَدِّيهِ إِلَى الثَّانِي بِزِيَادَةِ الْبَاءِ.
(فَإِنْ قُلْتَ) : فَأَيْنَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ فِي الْآيَةِ؟ (قُلْتُ) : هُوَ مَحْذُوفٌ، وَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ عَلَى آثَارِهِمْ كَالسَّادِّ مَسَدَّهُ، لِأَنَّهُ إِذَا قُفِّيَ بِهِ عَلَى أثره فقد قفي به إِيَّاهُ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يَحْتَاجُ

[1] سورة المائدة: 5/ 44.
[2] سورة المائدة: 5/ 44.
[3] سورة المائدة: 5/ 44.
[4] سورة الإسراء: 17/ 36.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 4  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست