responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 349
وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ وَلَا فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِهِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقُدِّمَ مَعْمُولُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْفُسَهُمْ، لِيَحْصُلَ بذلك توافق رؤوس الْآيِ وَالْفَوَاصِلِ، وَلِيَدُلَّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ حَلَّ بِهِ الْفِعْلُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى صَارَ الْعَامِلُ فِي الْمَفْعُولِ تَوْكِيدًا لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ. فَلَيْسَ ذِكْرُهُ ضَرُورِيًّا، وَبِأَنَّ التوكيد أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الْمُؤَكَّدِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَقُولُ: مَا ضَرَبْتُ زَيْدًا وَلَكِنْ ضَرَبْتُ عَمْرًا، فَذِكْرُ ضَرَبْتُ الثَّانِيَةِ أَفَادَتِ التَّأْكِيدَ، لِأَنَّ لَكِنْ مَوْضُوعُهَا أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُنَافِيًا لِمَا قَبْلَهَا، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: مَا ضَرَبْتُ زَيْدًا وَلَكِنْ عَمْرًا، فَلَسْتَ مُضْطَرًّا لِذِكْرِ الْعَامِلِ. فَلَمَّا كَانَ مَعْنَى قَوْلُهُ:
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فِي مَعْنَى: وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، كَانَ ذِكْرُ الْعَامِلِ فِي الْمَفْعُولِ لَيْسَ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ، إِذْ لَوْ قِيلَ: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ، لَكَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا، وَيُكْتَفَى بِدَلَالَةِ لَكِنْ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنَافٍ لِمَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمُحَسِّنَاتُ لِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ كَانَ تَقْدِيمُهُ هُنَا الْأَفْصَحَ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ مِنْ ذِكْرِ قَصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فُصُولًا مِنْهَا: أَمْرُ مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، إِيَّاهُمْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ مِنْ مُقَارَفَةِ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الْعِجْلِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ فِي نِدَائِهِمْ بِيَا قَوْمِ، وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى عِلَّةِ الظُّلْمِ الَّذِي كَانَ وَبَالُهُ رَاجِعًا عَلَيْهِمْ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ تَوْبَتَهُمْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ تَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِسَابِقِ رَحْمَتِهِ، ثُمَّ التَّوْبِيخُ لَهُمْ بِسُؤَالِهِمْ مَا كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ عِيَانًا، لِأَنَّهُ كَانَ سُؤَالَ تَعَنُّتٍ. ثُمَّ ذِكْرُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَخْذِ الصَّاعِقَةِ إِيَّاهُمْ. ثُمَّ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِالْبَعْثِ، وَهُوَ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ أَنْ يُحْيَى الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ مَاتَ. ثُمَّ إِسْعَافُهُمْ بِمَا سَأَلُوهُ، إِذْ وَقَعُوا فِي التِّيهِ، وَاحْتَاجُوا إِلَى مَا يُزِيلُ ضَرَرَهُمْ وَحَاجَتَهُمْ مَنْ لَفْحِ الشَّمْسِ، وَتَغْذِيَةِ أَجْسَادِهِمْ بِمَا يَصْلُحُ لَهَا، فَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ وَأَكْبَرِ الْمُعْجِزَاتِ حَيْثُ يُسَخَّرُ الْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ لِلْعَالَمِ السُّفْلِيِّ عَلَى حَسَبِ اقْتِرَاحِهِ، فَكَانَ عَلَى مَا قِيلَ: تُظِلُّهُمْ بِالنَّهَارِ وَتَذْهَبُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُنَوِّرَ عَلَيْهِمُ الْقَمَرُ. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَهَذَا مِنْ أَشْرَفِ الْمَأْكُولِ، إِذْ جَمَعَ بَيْنَ الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ، بِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَلَاوَةِ الَّتِي فِي الْمَنِّ وَالدَّسَمِ الَّذِي فِي السَّلْوَى، وَهُمَا مُقْمِعَا الْحَرَارَةِ وَمُثِيرَا الْقُوَّةِ لِلْبَدَنِ. ثُمَّ الْأَمْرُ لَهُمْ بِتَنَاوُلِ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ، بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مُطْلَقٌ. ثُمَّ التَّنْصِيصُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَبِحَقِّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. ثُمَّ ذِكْرُ أَنَّهُ رِزْقٌ مِنْهُ لَهُمْ لَمْ يَتْعَبُوا فِي تَحْصِيلِهِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 349
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست