ابن عشر سنين، قد دار في أهله، كما دارت هذه على هذه، و أومأ إلى ابهامه و سبّابته، و عقد عشرا.
[1] سألت عددا من الأدباء و التجار و المحققين، في العراق و لبنان، عن الحساب بعقد الأصابع، فلم أعثر على أحد يعرف عنه شيئا، و حسبت أن هذا الحساب قد ضاع و درس، كما ضاعت النوتة الموسيقية المدونة في كتاب الأغاني، و لكن بصيصا من الأمل بدا لي في تعليق للمحقق آدم متز أورده بالألمانية في هامش إحدى صفحات المقدمة التي كتبها و صدر بها حكاية أبي القاسم البغدادي، أشار فيه إلى حساب الأصابع و دل على مقال نشرته مجلة المشرق (3/119 و 171) و إلى خزانة الأدب للبغدادي (3/147) و إلى كتاب الأغاني (1/50) ، و قد اشتمل مقال مجلة المشرق على قصيدة في حساب الأصابع للشيخ شمس الدين الموصلي، كما دلني على بحث في الموضوع ورد في كتاب الشرح الجليّ للشيخ أحمد البربير (81 و 85) .
و إشارة في كشف الظنون إلى هذا الحساب (1/664) و بالنظر لأهمية الموضوع، و خشبة درس هذا الحساب، وجدت فرضا عليّ أن أدرج في تعليقي هذا، ما ورد في كتاب الشرح الجلىّ، و أن أورد نص القصيدة التي اشتمل عليها مقال الكرملي في المشرق.
قال صاحب الكشف الجليّ (ص 81) : و مما يلحق بالحساب، الحساب بعقد الأصابع و هو مشهور في البلاد الحجازية و الهندية، و غالب بيع التجار به، فإذا وقعت المساومة بين البائع و المشتري، وضع المشتري يده في يد البائع، ثم يجعلان فوق أيديهما ساترا، كمنديل أو محرمة، ثم يشير المشتري إلى البائع بعقد الأصابع، فإذا لم يعجبه الثمن، قال: لا، و إذا أعجبه، قال له: بعتك، فلا يعلم الحاضرون كم مقدار الثمن، و لكن غاية العدد بالعقد أن ينتهي إلى تسعة و تسعين و تسعمائة و تسعة آلاف فقط.
و قد تلطف بعض الشعراء في هجو بعض حسان الغلمان، حيث قال: -
مضى خالد و المال تسعون درهما # و عاد و باقي المال ثلث الدراهم
و هو معنى بليغ، و هجو خفي شنيع، لأنه أشار إلى أن خالدا المذكور، مضى ضيقا، و عاد واسعا، لأن عاقد التسعين يضم طرف السبابة إلى أصلها ضما محكما، بحيث تنطوي العقدتان اللتان فيها، و عاقد الثلاثين يضع طرف إبهامه على طرف سبابته و قد ورد في حديث الصحيحين، استعمال النبي صلى اللّه عليه و سلم لهذا العدد، و لفظ الحديث: فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج، و عقد تسعين، أي فتح فتح نافذ فيه، و إن كان ضيقا جدا.
و قال صاحب الكشف الجليّ (ص 85) : و قد ذكرت آنفا الحساب بعقد الأصابع، غير مفصل، و أريد أن أذكره مفصلا، لأني لم أجد من ذكره في كتاب، و قد علمت مما تقدم، أن المحدّث يحتاج إليه، لوروده في الأحاديث، و كذا الفقيه، لأن فقهاء الشافعية، ذكروه في الصلاة عند التشهد، فقالوا: السنة أن يضع المصلي يده اليمنى فوق فخذه، عند جلسة التشهد، كعاقد ثلاثة و خمسين، و ذلك بأن يضم أصابعه الثلاث، و هي الخنصر، و البنصر، و الوسطى، ضما محكما، بحيث يطوي العقدتين اللتين في كل إصبع منها، و هذا عقد ثلاثة، كما ستعرفه، ثم يطوي الإبهام إلى الكف، و ذلك عقد خمسين، و بيان معرفة ذلك أن عقد الخنصر و البنصر و الوسطى من اليد اليمين، هي عقد الآحاد، و عقد السبابة و الإبهام منها عقد العشرات، و عقد الخنصر و البنصر و الوسطى من اليد الشمال، عقد المئين، و عقد السبابة و الإبهام منها عقد الألوف، و أنت خبير بأن الأصابع التي للآحاد تضيق عنها، لأنها ثلاثة، و الآحاد تسعة، فلا يمكن ذلك إلا بتبديل، و كذا أصابع العشرات و المئين و الألوف، فطريق ذلك أنهم إذا أرادوا عقد واحد: ضموا الخنصر ضما محكما، كما تقدم، أو عقد اثنين: ضموا معها البنصر، أو عقد ثلاثة: ضموا معها الوسطى، أو أربعة: رفعوا الخنصر و تركوا البنصر و الوسطى مضمومتين، أو خمسة: ضموا الوسطى وحدها، و رفعوا الخنصر و البنصر، أو ستة: ضموا البنصر وحدها، و رفعوا الوسطى و الخنصر، أو سبعة: طووا العقدة السفلى من البنصر وحدها، و مدوها حتى يصل طرفها إلى اللحمة التي في طرفها الابهام، أو ثمانية: فعلوا بالخنصر كذلك، أو تسعة: فعلوا مثل ذلك بالوسطى، أو عشرة: جعلوا طرف السبابة، في باطن ظفر العقدة العليا من الابهام، أو العشرين:
أدخلوا الإبهام بين السبابة و الوسطى، بحيث يكون ظفر الابهام: ما بين العقدتين من وسط السبابة، أو الثلاثين: جعلوا ما بين طرف الابهام، فوق باطن طرف السبابة، بحيث يكون بين ظفريهما بعد، لئلا تشتبه بالعشرة، أو الأربعين: لووا الابهام حتى يضعوا باطن طرفها على ظهر طرف السبابة، أو الخمسين: لووا الابهام إلى الكف، أو الستين: جعلوا الابهام على حالها في الخمسين، و ضموا عليها السبابة، ضما محكما، مفتوحة، او السبعين: جعلوا طرف ظفر الابهام، بين العقدتين من باطن وسط السبابة، و لووا طرف السبابة عليها، أو الثمانين: و ضعوا طرف السبابة مما يلي الوسطى، أو التسعين: ضموا طرف السبابة إلى أصلها ضما محكما، حتى تنطوي العقدتان اللتان فيها، و قد تم في اليد اليمين عقد تسعة و تسعين، و تقدم أن عقد المئين في اليسار كعقد الآحاد في اليد اليمين، و ذلك في ثلاث أصابع، و عقد الألوف في اليسار، كعقد العشرات في اليمين، و ذلك في إصبعين و هما السبابة و الابهام، فغاية ما تجمع اليسار من العدد تسعمائة و تسعة آلاف، و اليمين تسعة و تسعين لا غير. فاحفظ ذلك.
أما قصيدة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الموصلي الحنبلي، فهي:
بحمدك يا رباه أبدأ أولا # فما زلت أهلا للمحامد مفضلا
و أتبع حمدي بالصلاة على الرضا # أبي القاسم المهديّ خير من أرسلا
و من بعد هذا أيها السائل استمع # حساب اليد إذ عنه سلت مفصّلا
ففي عدد الآحاد يا صاح أفردن # ليمنى يديك اعلم و إياك تجهلا
(فللواحد) اقبض خنصرا، ثم بنصرا # (للاثنين) ، و الوسطى كذاك التكملا
بعد (ثلاث) ثم للخنصر ارفعا # (بأربعة) و البنصر (الخمسة) اكملا
و في (الستة) اقبض بنصرا دون كلها # على طرف للراحة اسمعه و انقلا-
-و في (السبعة) اقبض تحت الابهام خنصرا # و في طرف للراحة القبض فاجعلا
و للبنصر ارفع ثم في (الثامن) اضممن # إلى خنصر في القبض للبنصر اعقلا
و في (التسعة) الوسطى اضممن معهما و في # جميع الآحاد افعلن ذا و إن علا
و في (عشرة) مع عقد الابهام فاستمع # تحلق رأسا للمسبحة افعلا
و للظفر من ابهامك اجعله بين إصبعيك # هي (العشرون) فاعلمه و اعملا
و ما بين رأس للمسبحة أجمعن # و راس للابهام (الثلاثون) حصّلا
و إن تركب الابهام يا صاح فاحتفظ # لسبابة (للأربعين) مكملا
و ابهامك اجعل تحت سبابة إذا # تعمدت للخمسين فاحفظ تكملا
و تركب الابهام المسبحة استمع # كقابض سهم و هي ستون أحملا
و عدّك للسبعين في بطن ثالث # لسبابة ابهامك اعقله تجملا
و الابهام من تحت المسبحة اجعلن # بنانا على ظفري (ثمانين) أكملا
و في عد تسعين المسبحة اقبضن # لما بين ابهام و ما بينها اجتلى
و إبهامك اجعل فوقها مثل حية # تروم و ثوبا (و المئين) ألا اجعلا
بيسراك كالآحاد يا ذا العلوم من # يمينك فاحفظه و إياك تعدلا
كذا العشرات من يمينك إنها # بيسراك يا هذا (ألوف) على الولا
(و عشرة آلاف) لابهامك اجمعن # و ذلك مع سبابة يا أخا العلا
بيسراك و امهده كحلقة استمع # إذا طويت و الراس فاجعله أسفلا
و قد نجزت و الحمد للّه وحده # ميسرة تبغي أخا متفضلا
يسامحها فيما يرى من عيوبها # فما أحد عن ذاك يا صاح قد خلا
فخذها عروسا قد سمت شمس ضحوة # و بدر دياج قد بدا متهللا
فإن تمتنع كالبكر عند امتناعها # على بعلها عند الزفاف تدللا
فصفّ لها ذهنا غزيرا مجودا # و غص في بحار الفكر ثم تأملا
ترى لمعانيها بزوغا ككوكب # و يأتيك منها العلم و الفضل مقبلا
نام کتاب : نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة نویسنده : التنوخي، محمد بن علي جلد : 1 صفحه : 104