دخل أبو نواس على جارية الناطفي و كان قد ضربها مولاها فقال:
إنّ عنانا أسبلت دمعها # كالدرّ إذ ينسلّ من خيطه
فليت من يضربها ظالما # تيبس يمناه على سوطه
قال خالد الكاتب:
ما زلت أنكر ما ألقى و أجحده # فاستشهد العاذلون الدمع و النفسا
أنشد أبو السائب القاضي قول جرير:
أنّ الذين غدوا بلبّك غادروا # و شلاّ بعينك لا يزال معينا [1]
غيّضن من عبراتهنّ و قلن لي # ما ذا لقيت من الهوى و لقينا
فحلف أن لا يرد على أحد سلامه يومه إلا بالبيتين و نحوه.
و لبعضهم:
و لمّا تلاقينا جرت من عيوننا # دموع كففنا غربها بالأصابع [2]
رأى الرشيدي كتابة في جدار قصر دجلة:
و ما لي لا أبكي بعين حزينة # و قد قربت للظاعنين حمول
و تحته مكتوب: ايه ايه ايه. فجعل يسأل أصحابه عن المكتوب تحته فلم يعرفوه فقال الربيع إنما أراد حكاية البكاء.
و قال آخر:
فلو أن خدّا كان من فيض عبرة # يرى معشبا لا خضر خدّي و أعشبا
قالت فاطمة بنت الأحجم:
كأنّ عيني لمّا أن ذكرتهم # غصن يراح من الطّرفاء ممطور [3]
نبيت كأنّ العين أفنان سدرة # عليها سقيط من ندى الطلّ ينطف [4]
جعل البكاء كسحاب و قطر
قال كثيّر:
كأنّ إنسانها في لجّة غرق
و قال ابن الحاجب:
كأنّ السحاب الغرّ حشو جفونه # إذا انهملت من عينه عبراتها
[1] الوشل: القليل من الماء، و من وشل الماء سال و قطر، و الوشول الضعف.
[2] كفّ الدمع: منع انحداره-الغرب: النشاط و الحدّة.
[3] الطرفاء: ضرب من الشجر.
[4] الأفنان: الأغصان جمع فنن-السدرة: واحدة السدر-السقيط: ما يسقط-الندى: الطلّ-ينطف: يقطر.