نام کتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 2 صفحه : 526
و قيل: الأحزان تسقم القلوب كما أن الأمراض تسقم الأبدان. و قيل: الغمّ يشيب القلب و الهرم يشيب الرأس.
النّهي عن الإفراط في البكاء و إظهار الجزع على الأموات
روى أبو هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: إن الميت ليعذّب ببكاء أهله.
و أنكرت عائشة ذلك و قرأت: (ألا تزر وازرة وزر أخرى) [1] . و قيل: معناه يعذّب بأفعاله التي يندب بها من غاراته و قتاله.
و دخلت أعرابية الحضر فسمعت بكاء من دار فقالت: ما هذا؟أراهم من ربّهم يستغيثون و من استرجاعه يتضجرون و من جزيل ثوابه يتبرمون. و قال أبو سعيد البلخي: من أصابته مصيبة فأكثر الغم جعل اللّه عقوبته غما مثله. قال اللّه تعالى: فَأَثََابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاََ تَحْزَنُوا[2] الآية. و قال صلّى اللّه عليه و سلّم: النائحة إذا لم تنب قبل أن تموت أقيمت يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من كبريت.
الرخصة في البكاء و إظهار الجزع ما لم يكن إفراطا
دخل عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يوم موت ابنه إبراهيم، فوجد عينيه تذرفان، فقال: يا رسول اللّه أ لست تنهانا عنه؟قال: أنا ذو رحمة و لا يرحم من لا يرحم. و إنما نهى عن النياحة، و أن يندب المرء بما ليس فيه.
و سمع عمر رضي اللّه عنه باكية في جنازة فزجرها فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: دعها فإن العهد قريب و النفس مصابة. و قام الحسن البصري على قبر أخيه فبكى شديدا فقيل له في ذلك فقال: ما رأيت اللّه عاتب يعقوب على طول بكائه على يوسف عليهما السلام.
بل قال: وَ اِبْيَضَّتْ عَيْنََاهُ مِنَ اَلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ[3] . و قيل لأعرابي: أصبر فالصبر أجر، فقال: أعلى اللّه أتجلد؟و اللّه للجزع أحب إليّ، لأن الجزع استكانة و الصبر قساوة.
و قيل لفيلسوف: أخرج الحزن من قلبك فقال: لم يدخله بإذني فأخرجه بإذني. و أفرطت امرأة في الجزع على ابنها فعوتبت في ذلك فقالت: إذا وقع حكم الضروريات لم يقع عليها حكم المكتسبات، فأما جزعى فليس في الطاعة صرفه و لا في القدرة منعه و لي عذر للضرورة، فإن اللّه تعالى يقول: فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَ لاََ عََادٍ فَلاََ إِثْمَ عَلَيْهِ[4] و قال خالد بن صفوان: صبرك في مصيبتك أحمد من جزعك، و جزعك في مصيبة أخيك أحمد من صبرك.