قيل لأبي عمرو بن العلاء: لم كانت العرب تطيل؟قال: ليسمع منها. قيل: فلم توجز؟قال: ليحفظ عنها. و قد قال الشاعر في هذا المعنى:
يرومون بالخطب الطّوال و تارة # و حي الملاحظ خيفة الرّقباء
و قال ابن قدامة: البلاغة ثلاثة مذاهب: المساواة، و هي مطابقة اللفظ و المعنى لا زائدا و لا ناقصا. و الإشارة و هي أن يكون اللفظ كاللمحة الدالّة و التذييل و هو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد، ليظهر لمن لم يفهمه، و يتأكد عند من فهمه. و قال شاعر:
يكفي قليل كلامه و كثيره # ثبت إذا طال النّضال مصيب
و أمر يحيى بن خالد كاتبين أن يكتبا في معنى، فأوجز أحدهما و أطال الآخر، فقال للموجز، لمّا نظر في كتابه: لم أجد موضع مزيد. و قال للمطيل: لم أجد موضع نقصان.
و قال جعفر بن يحيى: إذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار هذرا [2] ، و إذا كان التطويل واجبا كان التقصير عجزا [3] .
استقباح إعادة الحديث
قيل: الحديث الرجيع [4] كالحدث و الرجيع. و قيل: إذا أعيد الحديث ذهب ضوؤه و رونقه. قال ابن السماك لجارية له تصغي إلى كلامه: كيف تجدين كلامي؟قالت: ما أحسنه إلا أنك تكثر ترداده قال إنما أردده ليفهمه من لم يفهمه قالت إلى أن يفهمه من لم يفهمه ملّه من قد فهمه. و قيل لرجل يعيد كلاما لغبي: قد ثقل كلامك على الذكيّ قبل حصوله في قلب الغبي.
ذمّ إطالة الحديث:
قيل: من أطال حديثه فقد عرض أصحابه للسآمة [5] و طول الاستماع.
[2] الهذر: سقط الكلام، يقال رجل مهزار إذا خلط في منطقه و تكلّم بما لا ينبغي، و المرأة مهذارة.
[3] إن المعيار الدقيق للإيجاز و الإطناب أو القصر و الإطالة هو أن يراعي المتكلم مقتضى الحال و تلك هي البلاغة التي توجب أحيانا الإطالة و أحيانا الإقلال و عدم الإكثار.
[4] الحديث الرجيع: هو الحديث المكرر أو الذي تردّد على لسان صاحبه.