قال البحتري:
جلّ عن مذهب المديح فقد # كاد يكون المديح فيه هجاء [1]
و قال المتنبّي:
تجاوز قدر المدح حتّى كأنّه # بأكثر ما يثنى عليه يعاب
من ذكر أن أحدا لا يستغني عن الشّكر
و قال شاعر:
فلو كان يستغني عن الشكر ماجد # لعزّة ملك و ارتفاع مكان
لما أمر اللّه العباد بشكره # فقال اشكروا لي أيّها الثقلان [2]
مدحك محسنا لم ينلك إحسانه
قال أبو تمّام:
و حسبي أن أطري الحسام إذا مضى # و إن كان يوم الروع غيري حامله [3]
و قال عمارة بن عقيل:
أرى الناس طرّا حامدين لخالد # و ما كلّهم أفضت إليه صنائعه
و لن يترك الأقوام أن يحمدوا الفتى # إذا كرمت أعراقه و طبائعه
المعتذر إلى رئيس لمدحه غيره
كان ابن الزيات عاتب أبا تمام في مدحه سواه فاعتذر إليه بقوله:
أما القوافي فقد عضلت عذرتها # فما يصاب دم منها و لا سلب [4]
و لو منعت من الأكفاء أيّمها # و لم يكن لك في إظهارها أرب [5]
كانت بنات نصيب حين ضنّ بها # عن العوالي و لم تحفل بها العرب [6]
و قال بعض الأكابر لأبي هفان مالك لا تمدحني، فقال:
لسان الشكر تنطقه العطايا # و يخرس عند منقطع النوال [7]
تبكيت من يذمّ من لا يستحق الذم
قام رجل في أيام صفّين إلى معاوية رضي اللّه عنه، فقال: اصطنعني فقد قصدتك من
[1] يقول إنه فوق قدر المدح، فإذا مدحته كنت كأنك تعيبه.
[2] الثقلان: الإنس و الجن.
[3] اطري: أمدح-يوم الروع: يوم الحرب.
[4] عذرتها: البكارة، الجدة.
[5] الأيّم: من النساء من لا زوج لها. و من الرجال من لا زوجة له-الأرب: الحاجة.
[6] العوالي: الرماح-لم تحفل بها: لم تكترث لها.
[7] النوال: العطاء.