responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
   ««اول    «قبلی
   جلد :
نام کتاب : ما لم ينشر من الأمالي الشجريه نویسنده : ابن الشجري    جلد : 1  صفحه : 34
حتى يقول الناس ماذا عاقلا ... ويقول بيت المال ماذا مسلما
قال أبو زكريا: عظم الممدوح تعظيماً وجب معه أن لا يكون خاطبه بقوله: حتى يقول الناس ماذا عاقلا، وإنما تبع في ذلك الحكمي في قوله:

جاد بالأموال حتى ... قيل ما هذا صحيح
ويجوز أن يكون أبو الطيب ظن أن أبا نواس أراد بقوله: ما هذا صحيح العقل، ولعله لم يد ذلك، وإنما أراد: هذا الفعل صحيح انتهى كلامه.
وأقول: إن أبا نواس لم يرد إلا ما ذهب إليه المتنبي، لأن أبا نواس قد صرح بهذا المعنى في قصيدة أخرى وأتى بلفظة أقبح من قوله: ما هذا صحيح، فقال:

جدت بالأموال حتى ... حسبوه الناس حمقا
وتبعه في ذلك أبو تمام فقال:

مازال يهذي بالمكارم والندى ... حتى ظننا أنه محموم
ويروى: يهذر، والأصل في هذا قول أعرابي فيما أورده الجاحظ في كتاب الحيوان:

حمراء تامكة السنامِ كأنّها ... جملٌ بهودج أهله مظعون
جادت بها عند الوداع يمينه ... كلتا يدي عمر الغداة يمين
ما كان يعطي مثلها في مثله ... إلا كريم الخيم أو مجنون
فعلى هذا المنوال نسج أبو الطيب بيته، فأراد: أنه يفرط في الجود حتى ينسبه الناس إلى عدم العقل، ولو كان بيت المال مما يصح منه الكلام لقال ماذا مسلما، لأنه فرق أموال المسلمين، ويجوز أن يكون أراد: حتى يقول خزان بيت المال وحذف المضاف كما حذف في: (وسئلِ القريةَ) ، وقول الأعرابي: تامكة السنام أي عاليته. تمك السنام علا، والخيم السجية وهي الخليقة، والهاء في مثله تعود على الوداع أي في مثل وقت الوداع.
قد أثبت لك ما ظفرت به بالتتبع من حكم أبي الطيب ولم أثبت إلا مما رأيته في مكاتبة أو سمعته في مفاوضة فقد كفيتك مؤونة تطلبه وبقي عليك تكلف تحفظه. فمن فضائل هذا الشاعر من دون قائلي القريض أنك لا تجد واحداً من الناس إلا وهو يحفظ من شعره قصائد أو قصيدتين أو قصيدة أو مقطوعة أو بيتاً أو صدر بيت أو عجز بيت. فمما أجمع الناس على حفظه أو حفظ عجزه قوله:

بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قومٍ عند قوم فوائد
ولقد سمعت من أدوان العوام مراراً غير محصاة أناساً ينشدون قوله:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بد
وكذلك قوله:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفةٍ فلعله لا يظلم
إلا أنهم يغلطون فيه يقولون: فإن ترى، يستعملون ترى موضع تجد. وما أوقع قوله فيمن ذمه:

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ ... فهي الشهادة لي بأني كامل
وقوله:

رماني خساس الناس من صائب إسته ... وآخر قطنٌ من يديه الجنادل
ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل
أما إعراب هذين البيتين فإن دخول (من) في قوله: من صائب استه، كدخولها في قولك: جاء القوم من ضاحك وباك، فهي للتبغيض لأن المعنى: بعضهم ضاحك وبعضهم باك. ويقال أصاب السهم الهدف فهو مصيب، وصابه فهو صائب، لغية، قال بشر بن أبي خازم الأسدي:

تسائل عن أخيها كل ركب ... ولم تعلم بأن السهم صابا
وقوله: ويجهل علمي أنه بي جاهل، علمي مفعول يجهل، وقوله: أنه بي جاهل، هو الفاعل أي: يجهل جهله بي علمي. وفسر علي بن عيسى الربعي قوله: من صائب استه، بأنه من ضعفه إذا رمى يصيب استه، فحمله على معنى قوله: وآخر قطن من يديه الجنادل، وليس هذا القول بشيء لأننا لم نجد في الموصوفين بالضعف من يرمي بحجر أو غير حجر مما ترامي به اليد فيصيب استه، وإنما هو مثل ضربه فذكر تفصيل عائبيه فقال: عابني أراذل الناس فمنهم من رماني بعيب هو فيه وهو الأبنة فانقلب قوله عليه فأصاب استه بالعيب الذي رماني به. وآخر لم يؤثر كلامه في عرضي لعيه وحقارته فهو كمن يرمي قرنه بسبائح القطن، أي الذين رموني من هذين الصنفين بهذين الوصفين.

تم الكتاب
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الأبرار الطاهرين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فرغ من نسخه في غر الأخير من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وستمائة. حامداً لله تعالى ومصلياً على محمد وآله.
نام کتاب : ما لم ينشر من الأمالي الشجريه نویسنده : ابن الشجري    جلد : 1  صفحه : 34
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
   ««اول    «قبلی
   جلد :
فرمت PDF شناسنامه فهرست