المقامة البحرية، و وفاته في المحرم سنة اثنتين و تسعين و ستمائة. و كان والده خطيب بيت المقدس حيث قال يذم دار سكناه:
دار سكنت بها أقلّ صفاتها # أن تكثر الحشرات في حجراتها
الخير عنها نازح متباعد # و الشرّ دان من جميع جهاتها
من بعض ما فيها البعوض عدمته # كم أعدم الأجفان طيب سناتها
و تبيت تسعدها براغيث متى # غنت لها رقصت على نغماتها
رقص بتنقيط و لكن قافه # قد قدمت فيه على أخواتها
و بها ذباب كالضباب يسد # عين الشمس ما طربي سوى غناتها
أين الصوارم و القنا من فتكها # فينا و أين الأسد من وثباتها
و بها من الخطاف ما هو معجز # أبصارنا عن حصر كيفياتها
تغشى العيون بمرها و مجيئها # و تصم سمع الخلد من أصواتها
و بها خفافيش تطير نهارها # مع ليلها ليست على عاداتها
شبهتها بقنافذ مطبوخة # نزع الطهاة بنضجها شوكاتها
فاقت على سمر القنا في لونها # و سماتها و شياتها و صفاتها
و بها من الجرذان ما قد قصرت # عنه العتاق الجرد في حملاتها [1]
فترى أبا غزوان منها هاربا # و أبا الحصين يروغ عن طرقاتها
و بها خنافس كالطنافس أفرشت # في أرضها و علت على جنباتها
لو شمّ أهل الحرب منتن فسوها # أردى الكماة الصيد عن صهواتها
و بنات وردان و أشكال لها # مما يفوت العين كنه ذواتها
متزاحم متراكم متحارب # متراكب في الأرض مثل نباتها
و بها قراد لا اندمال لجرحها # لا يفعل المشراط مثل أداتها
أبدا تمص دماءنا فكأنها # حجامة لبدت على كاساتها
و بها من النمل السليماني ما # قد قل ذر الشمس عن ذراتها
لا يدخلون مساكنا بل يحطمون # جلودنا فالعفو من سطواتها
ما راعني شيء سوى وزغاتها # فنعوذ بالرحمن من نزغاتها
سجعت على أوكارها فظننتها # ورق الحمام سجعن في سحراتها
و بها زنابير تظن عقاربا # لا برء للمسموم من لدغاتها
و بها عقارب كالأقارب رتعا # فينا حمانا اللّه لدغ حماتها
و كأنما حيطانها كغرابل # أطلعن أرؤسهن من طاقاتها
كيف السبيل إلى النجاة و لا نجا # ة و لا حياة لمن رأى حياتها
[1] العتاق: النوق الكريمة.