نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 428
تذهل كل مرضعة عما أرضعت، لا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب و زكا.
ثم دعا الحجاج بآلات اللهو، فضربت بين يدي سعيد فبكى سعيد. فقال الحجاج: ويلك يا سعيد. فقال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة، و أدخل النار. فقال: يا سعيد أي قتلة تريد أن أقتلك بها؟قال: اختر لنفسك يا حجاج، فو اللّه لا تقتلني قتلة إلا قتلك اللّه مثلها في الآخرة.
قال: فتريد أن أعفو عنك؟قال: إن كان العفو من اللّه فنعم، و أما منك أنت فلا. فقال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما أخرج من الباب ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فأمر برده فقال: ما أضحكك و قد بلغني أن لك أربعين سنة لم تضحك؟قال: ضحكت عجبا من جراءتك على اللّه، و من حلم اللّه عليك، فأمر بالنطع فبسط بين يديه، و قال: اقتلوه.
فقال سعيد: كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ اَلْمَوْتِ*[1] . ثم قال: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ حَنِيفاً وَ مََا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ[2] . قال: وجهوه لغير القبلة. فقال سعيد: فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللََّهِ[3] فقال: كبوه لوجهه. فقال: مِنْهََا خَلَقْنََاكُمْ وَ فِيهََا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهََا نُخْرِجُكُمْ تََارَةً أُخْرىََ[4] فقال الحجاج: اذبحوه. فقال سعيد: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله. ثم قال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. فذبح على النطع رحمة اللّه تعالى عليه، فكان رأسه يقول بعد قطعه: لا إله إلا اللّه مرارا. و ذلك في شعبان سنة خمس و تسعين. و كان عمر سعيد تسعا و أربعين سنة، و عاش الحجاج بعده خمس عشرة ليلة، و لم يسلط على قتل أحد بعده.
و لما بلغ الحسن البصري [5] رضي اللّه تعالى عنه قتل سعيد بن جبير، قال: اللهم أنت على فاسق ثقيق رقيب، و اللّه لو أن أهل المشرق و المغرب اشتركوا في قتله، لكبهم اللّه تعالى في النار، و اللّه لقد مات و أهل الأرض من المشرق إلى المغرب محتاجون إلى علمه. و نقل أن سعيدا رضي اللّه تعالى عنه كان يقول: وشى بي واش، و أنا في بلد اللّه الحرام، أكله إلى اللّه، يعني خالد القسري.
و روي أن الحجاج لما حضرته الوفاة، كان يغيب ثم يفيق، و يقول: ما لي و لسعيد بن جبير.
و قيل: إنه كان في مدة مرضه كلما نام، رأى سعيد بن جبير آخذا بثوبه، و هو يقول: يا عدو اللّه فيم قتلتني فيستيقظ مذعورا.
و روي أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى، رآه بعد موته في المنام، و هو جيفة منتنة، و أنه قال له: ما فعل اللّه بك؟فقال: قتلني اللّه بكل قتيل قتلته قتلة واحدة، و قتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.
فإن قيل ما الحكمة في أن اللّه تعالى قتل الحجاج بكل قتيل قتلة و قتله بسعيد سبعين قتلة؟ و قد قتل من هو أفضل من سعيد، و هو عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه تعالى عنهما، لأنه صحابي،