responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المطرب من أشعار أهل المغرب نویسنده : ابن دحية    جلد : 1  صفحه : 58
قال: نزلت بفندق بمدينة دانية ليلاً، فرأتني امرأة كانت تعرفني في أيام السلطان أبي الطاهر تميم، وهي الحرة الفاضلة مريم بنت إبراهيم؛ والدنيا قد سحبت على من جاهها ووزارتها ذيلا، فقلت مرتجلا:
عَاذِلَتي لا تُفنّدِينِي ... أن صِرْتُ في مَنزلٍ هَجينِ
فليسَ قُبْح المَكان ممّا ... يَقْدَحُ في مَنْصِبي ودِيني
الشمسُ عُلْوِيّةٌ ولكنْ ... تَغْرُبُ في حَمْأَةِ وطِين
وكان شيخا هذا رحمه الله يلقب باللص لدياثته وسكونه، وتردده خفية في جميع شؤونه؛ وكان لا ينكر هذا اللقب مع جاهه عند سلطان زمانه، وقد أنشدني بيتين قالهما في الوزير أبي الحسين بن فندله في إبان شبابه وعنفوانه:
خَلَسْتَ قَلْبي بطَرْفٍ ... أبَا الحُسين خَلُوبِ
فكيفَ أُدعى بلّصٍ ... وانت لصُّ القلوبِ
ولما وصلت المحلات العظيمة، والعساكر العميمة، بجبل الفتح والنصر والهدى، قام منشدا:
غَمِّضْ عن الشَّمسِ واستقصِرْ مَدى زُحَلِ ... وانظُرْ إلى الجَبلِ الرَّاسي على جَبلِ
أنَّي استقلَّ به أنَّي استقَرّ به ... أنَّي رأى شخصه العالِي فلم يَزُل
توفي شيخنا رضي الله عنه ببلدة إشبيلية سنة ست وسبعين وخمسمائة. وأخبرني أن مولده سنة سبع وخمسمائة. سمعت منه كثيرا، وأجاز لي جميع رواياته ولأخي، نفعنا الله.
الوزير الكبير وزير إشبيلية وعظيمها، وشاعرها المشهور وكريمها:

أبو بكر محمد
ابن الوزير الكبير، الطبيب النحير، أبي مروان عبد الملك؛ ابن وزير ذلك الدهر وعظيمه، فيلسوف ذلك العصر وحكيمه؛ أبي العلاء زهر، ابن الوزير الكبير أبي مروان عبد الملك، الراحل إلى المشرق، وبه تطبب زماناً طويلا وتولى رياسة الطب ببغداد، ثم بمصر ثم بالقيروان، ثم استوطن مدينة دانية، وطار ذكره منها إلى أقطار الأندلس والمغرب، واشتهر بالتقدم في علم الطب حتى بذ أهل زمانه. ومات بدانية. وأبوه الوزير الفقيه العالم أبو بكر محمد بن مروان بن زهر الإيادي النسب العالم بالرأي والحافظ للأدب. وكان حاذقاً في الفتوى، مقدما في الشورى، متفننا في العلوم، وسيماً فاضلا، جمع الرواية والدراية. توفي بطليرة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وهو ابن ست وثمانين سنة. حدث عنه جماعة من علماء الأندلس، ووصفوه بالدين والفضل، والجود والبذل.
حدثني شيخنا المبدأ بذكره، وهو الوزير أبو بكر، عن جده الوزير أبي العلاء بجميع تواليفه وشعره. وتوفي الوزير أبو العلاء بمدينة قرطبة، ممتحناً من نغلة. بين كتفيه سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
والذي انفرد شيخنا به وانقادت لتخيله طباعه، وأصارت النبهاء خوله وأتباعه: الموشحات، وهي زبدة الشعر وخلاصة جوهره وصفوته. وهي من الفنون التي أغربت بها أهل المغرب على أهل المشرق. وظهروا فيها كالشمس الطالعة والضياء المشرق، فمن ذلك قوله:
سَدلْنَ ظَلامَ الشُّعورْ ... على أَوْجهٍ كالبُدورْ
سَفَرَن فلاح الصباحْ
هَزَزن قُدودُ الرِّماحْ
ضِحِكن ابِتَسامَ الأقاحْ
كأّنَّ الذي في النُّحور ... تخَّيرنَ منه الثُّغورْ
سَلُوا مُقلَتَيْ ساحرْ
عن السّحر والسّاحِر
وعن نَظرٍ حائر
يَريشُ سهامَ الفُتورْ ... ويَرمي خَبايَا الصُّدورْ
لقد هِمْتَ ويَحِي بِهَا
وذُلّل قَلْبي لها
أمَا والهوىَ إنَّها
لَظَبْيُ كِناسٍ نَفُورْ ... تَغارُ عليه الخُدورْ
حُرِمتُ لذيذَ الكَرَى
سَهِرْتُ ونام الوَرى
تُرَى ليت شِعْري تُرَى
أساعدتُ لَيْلي شُهورْ ... أمِ اللّيلُ حولي يَدُورْ
ظَفرتْ بصَبٍّ كَئِيب
فنكّد وعذِّبْ وجُورْ ... أسرفْ غُلامك صَبُورْ
وقوله:
أيّها السّاقي إليك المُشتكَى ... قد دعونَاك وإن لم تَسْمَع
ونَديمٍ هِمتُ في غُرَّتِهِ
وسَقَاني الرّاح من راحتِه
كلما استيقَظَ من سَكْرته
جذب الزِّقّ إليه واتّكَا ... وسقَاني أربعاً في أربعِ
ليس لي صبرٌ ولا لي جَلَدُ
ما لِقومي عذَلُوا واجتهدوا
أنكُروا شَكْواي ممّا أجد
نام کتاب : المطرب من أشعار أهل المغرب نویسنده : ابن دحية    جلد : 1  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست