نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 5 صفحه : 326
مائية البلغم، فحدث لذلك ما يحدث من اللهب عند مماسّة رطوبة الماء من الاشتعال؛ فخذ ماء الرمان فدق فيه إهليلجة [1] سوداء تنهضك مجلسا أو مجلسين، و يسكن ذلك التوقد إن شاء اللّه.
فلما كان من أمرهم ما كان، تلطّف منكة حتى دخل الحبس، فوجد يحيى قاعدا على لبد، و الفضل بين يديه يخدمه، فاستعبر منكة باكيا، و قال: كنت ناديت لو أسرعت الإجابة. قال له يحيى: أتراك كنت علمت من ذلك شيئا جهلته؟قال: كلا كان الرجاء للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق [2] ، و كانت مزايلة القدر الخطير عنا أقل ما تنقض تنهض به التّهمة، فقد كانت نقمة أرجو أن يكون أوّلها صبرا، و آخرها أجرا. قال: فما تقول في هذا الداء؟قال: منكة: ما أرى له دواء أنفع من الصبر، و لو كان يفدى بمال أو بمفارقة عضو كان ذلك مما يجب. لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت، فإن أمكنك تعاهدنا فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت به، فإنما كانت الأيام تحسن بسلامتك.
و كتب يحيى بن خالد في الحبس إلى هارون الرشيد:
من يحيى في حبسه إلى الرشيد:
لأمير المؤمنين، و خليفة المهديين، و إمام المسلمين، و خليفة رب العالمين، من عبد أسلمته ذنوبه، و أوبقته [3] عيوبه، و خذله شقيقه، و رفضه صديقه، و مال به الزمان، و نزل به الحدثان [4] ، [فحلّ في الضّيق بعد السعة]و عالج البؤس بعد الدّعة [5]
و افترش السخط بعد الرضا، و اكتحل السهاد بعد الهجود [6] ، ساعته شهر، و ليلته
[1] إهليلجة: ثمر منه أصفر و منه أسود و هو اليانع النضج.