نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 5 صفحه : 238
ثم غزا إلى المارق الموتر عمرو بن حفصون، و هو بحصن قامرة فأحدق به بخيله و رجله، فلم يجد الفاسق منفذا و لا متنفّسا، فأعمل الحيلة، و لاذ بالمكر و الخديعة، و أظهر الإنابة و الإجابة، و أن يكون من مستوطني قرطبة بأهله و ولده، و سأل إلحاق أولاده في الموالي: فأجابه الأمير إلى كل ما سأل، و كتب له الأمانات، و قطعت لأولاده الثياب، و خرزت له الخفاف؛ ثم سأل مائة بغل يحمل عليها ماله و متاعه إلى قرطبة، فأمر الأمير بها، و طلبت البغال و مضت إلى ببشتر و عليها عشرة من العرفاء، و انحل العسكر عن الحصن بعض الانحلال، و عكف القاضي و جماعة من الفقهاء على تمام الصلح فيما حسبوا فلما رأى الفاسق الفرصة، انتهزها؛ ففسق ليلا و خرج، فلقى العرفاء بالبغال، فقتلهم و أخذ البغال، و عاد إلى سيرته الأولى؛ فعقد المنذر على نفسه عقدا أن لا أعطاه صلحا و لا عهدا إلا أن يلقى بيده، و ينزل على عهده و حكمه، ثم غزاه الغزاة التي توفى فيها، فأمر بالبنيان و السكنى عليه. و أن يردّ سوق قرطبة عليه؛ فعاجله أجله عن ذلك.
عبد اللّه بن محمد
ثم تولى عبد اللّه بن محمد التقي النقي العابد الزاهد، التالي لكتاب اللّه، و القائم بحدود اللّه، يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة خمس و سبعين و مائتين فبنى الساباط [1] ، و خرج إلى الجامع و التزم الصلاة إلى جانب المنبر حتى أتاه أجله رحمه اللّه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من صفر سنة ثلاثمائة.
و كانت له غزوات، منها غزاة بلى، التي أنست كل غزاة تقدمتها، و ذلك أن المرثد ابن حفصون ألّب عليه كور الأندلس، فنزل حصن بلى [2] ، و خرج إليه الأمير عبد اللّه بن محمد في أربعة عشر ألفا من أهل قرطبة خاصة، و أربعة آلاف من حشمه و مواليه؛ فبرز إليه الفاسق و قد كردس كراديسه [3] في سفح الجبل، و ناهضه الأمير