قلت: فبعده من؟قال: الذي يقول-يعني عبيد بن الأبرص-:
يا من لبرق أبيت الليل أرقبه # في عارض مكفهرّ المزن دلاّح [2]
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه # يكاد يدفعه من قام بالراح
سليمان و أعرابي:
و دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك، فقال: أصابتك سماء في وجهك يا أعرابي؟قال: نعم يا أمير المؤمنين، غير أنها سحاء طخياء [3] وطفاء؛ كأن هواديها الدّلاء، مرجحنّة النواحي، موصولة بالآكام، تكاد تمس هام الرجال؛ كثير زجلها، قاصف رعدها، خاطف برقها، حثيث ودقها، بطيء سيرها؛ مثعنجر قطرها، مظلم نوؤها؛ قد لجأت الوحش إلى أوطانها، تبحث عن أصوله بأظلافها، متجمعة بعد شتاتها؛ فلو لا اعتصامنا يا أمير المؤمنين بعضاه الشجر، و تعلقنا بقنن الجبال، لكنا جفاء [4] في بعض الأودية و لقم [5] الطريق، فأطال اللّه للأمة بقاءك، و نسألها في أجلك، فهذا ببركتك و عادة اللّه بك على رعيتك، و صلى اللّه على سيدنا محمد. فقال سليمان: لعمر أبيك، لئن كانت بديهة لقد أحسنت و إن كانت محبرة لقد أجدت.
قال: بل محبرة مزوّرة يا أمير المؤمنين. قال: يا غلام أعطه؛ فو اللّه لصدقه أعجب إلينا من صفنه.
[1] الوطف: استرخاء الجوانب من كثرة الماء؛ و طبق الأرض عشاها؛ و تتمرى: تتوخى و تعمد.