و كثير الحديث من ملح النا # س بصير بخافيات ملاح
كم و كم قد خبأت عندي حديثا # هو عند الأمير كالتّفاح
أيمن الناس طائرا يوم صيد # في غدوّ أو بكرة أو رواح
أعلم الناس بالجوارح و الصّيـ # د و بالخرد الحسان الملاح
كلّ هذا جمعت و الحمد # للّه على أنني ظريف المزاح
لست بالنّاسك المشمّر ثوبيـ # ه و لا الفاتك الخليع الوقاح
لو دعاني الأمير عاين منّي # شمّرياّ كالبلبل الصّداح [1]
قال: فدعاه فلما دخل عليه أتاه كتاب من أرمينية، فرمى به إليه، و قال له:
أجب. فأجاب بما في غرضه و أحسن، فأمر له بألف ألف درهم؛ و كنا نراه أول داخل و آخر خارج؛ و كان إذا ركب فركابه مع ركابه.
قال محمد بن يزيد: فبلغ هذا الشعر أبا نواس، فقال:
أنت أولى بقلّة الحظّ منّي # يا مسمّى بالبلبل الصّداح
قد رأوا منه حين غنّى لديهم # أخرس القول غير ذي إفصاح
ثم بالرّيش شبّه النّفس في الخـ # فّة ممّا يكون تحت الجناح
فإذا الشّم من شماريخ رضوى # خفّة عنده نوى المسباح [2]
لم يكن فيك غير شيئين ممّا # قلت في نعت خلقك الدّحداح
لحية جعدة و أنف طويل # و سوى ذاك ذاهب في الرياح
فيك ما يحمل الملوك على السّخـ # ف و يزري بالماجد الجحجاح [3]
بارد الطرف، مظلم اللّبّ، تيا # ه، معيد الحديث، سمج المزاح
قال: فبعث إليه أبان بأن لا تذيعها و خذ الألف ألف درهم!فبعث إليه أبو نواس: لو أعطيتني مائة ألف ألف درهم لم أجد بدّا من إذاعتها. فيقال: إن الفضل
[1] الشمري: الماضي في الأمور، المجرب.
[2] الشمراخ: العنقود عليه عنب. و المسباح: يريد به المسبحة.
[3] الجحجاح: السيد السمح الكريم.