نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 3 صفحه : 257
عَلَيْهِمْ صَلَوََاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولََئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ[1] و الموت سبيل الماضين و الغابرين، [2] و مورد الخلائق أجمعين، و في أنبياء اللّه و سالف أوليائه أفضل العبرة، و أحسن الأسوة، فهل أحد منهم إلا و قد أخذ من فجائع الدنيا بأجزل الإعطاء، و من الصبر عليها باحتساب الأجر فيها بأوفر الأنصباء.
فجع نبيّنا عليه الصلاة و السلام بابنه إبراهيم، و كان ذخر الإيمان، و قرة عين الإسلام، و عقب الطهارة، و سليل الوحي، و نتيج الرحمة، و حضين الملائكة، و بقية آل إبراهيم و إسماعيل صلوات اللّه عليهم أجمعين، و على عامة الأنبياء و المرسلين فعمت الثقلين مصيبته، و خصت الملائكة رزيّته. و رضي صلّى اللّه عليه و سلم من فراقه بثواب اللّه بدلا، و من فقدانه بموعوده عوضا؛ فشكر قضاه و اتبع رضاه؛ فقال: «يحزن القلب، و تدمع العين، و لا نقول ما يسخط الرب، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون!» .
و إذا تأمل ذو النظر ما هو مشف عليه من غير الدنيا، و انتصح نفسه و فكره في غيرها بتنقل الأحوال، و تقارب الآجال، و انقطاع يسير هذه المدة ذلت الدنيا عنده، و هانت المصائب عليه، و تسهلت الفجائع لديه، فأخذ للأمر أهبته، و استعد للموت عدته؛ و من صحب الدنيا بحسن الروية، و لاحظها بعين الحقيقة، كان على بصيرة من و شك زوالها.
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «اذكروا الموت فإنه هادم اللذات و منغّص الشهوات. و ليس شيء مما اقتصصت إلا و قد جعلك اللّه مقدما في العلم به؛ و لعمري إن الخطب فيما أصبت به لعظيم، غير أن معوّضه من الأجر و المثوبة عليه بحسن الصبر، يهوّنان الرزية و إن ثقلت، و يسهلان الخطب و إن عظم؛ فوهب اللّه لك من عصمة الصبر ما يكمل لك به زلفى [3] الفائزين، و قربة الشاكرين، و جعلك من المرضيين قولا و فعلا، الذين أعطاهم الحسنى، و وفقهم للصبر و التقوى» .