نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 3 صفحه : 196
و أماتت بحبها قلوبكم، استوحش منكم، فكنت إذا نظرت إليه حسبته حيا وسط أموات؛ يا داود، ما أعجب شأنك بين أهل زمانك، أهنت نفسك و إنما تريد إكرامها، و أتعبتها و إنما تريد راحتها و أخشنت المطعم و إنما تريد طيبه، و أخشنت الملبس و إنما تريد لينه، ثم أمتّ نفسك قبل أن تموت، و قبرتها قبل أن تقبر، و عذّبتها قبل أن تعذب؛ سجنت نفسك في بيتك فلا محدّث لك، و لا جليس معك، و لا فراش تحتك، و لا ستر على بابك، و لا قلّة يبرّد فيها ماؤك، و لا صحفة يكون فيها غداؤك و عشاؤك؛ يا داود، ما تشتهي من الماء باردة، و لا من الطعام طيّبه، و لا من اللباس لينه؛ بلى، و لكن زهدت فيه لما بين يديك؛ فما أصغر ما بذلت و ما أحقر ما تركت في جنب ما رغبت و أمّلت، فلما مت شهرك ربّك بفضلك؛ و ألبسك رداء عملك، فلو رأيت من حضرك علمت أن ربك قد أكرمك و شرّفك.
للاحنف على قبر أخيه:
وقف الأحنف بن قيس على قبر أخيه فأنشد:
فو اللّه لا أنسى قتيلا رزئته # بجانب قوسى ما مشيت على الأرض [1]
بلى إنها تعفو الكلوم و إنما # نوكّل بالأدنى و إن جلّ ما يمضي
و وقف محمد بن الحنفية على قبر الحسين بن علي رضي اللّه عنهما فخنقته العبرة ثم نطق فقال: يرحمك اللّه أبا محمد، فلئن عزّت حياتك فلقد هدّت وفاتك، و لنعم الروح روح ضمه بدنك، و لنعم البدن بدن ضمه كفنك، و كيف لا يكون كذلك و أنت بقية ولد الأنبياء، و سليل الهدى، و خامس أصحاب الكساء [2] ، غذتك أكف الحق، و ربيت في حجر الإسلام، فطبت حيّا و طبت ميتا، و إن كانت أنفسنا غير طيّبة بفراقك، و لا شاكّة في الخيار لك.