نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 2 صفحه : 373
يعاقر الشراب و يصحب زيادا، فقيل لزياد: إنك تصحب هذا الرجل و ليس من شاكلتك. إنه يعاقر الشراب. فقال: كيف لا أصحبه و لم أسأله عن شيء قط إلا وجدت عنده منه علما، و لا مشى أمامي فاضطرني أن أناديه، و لا مشى خلفي فاضطرني أن التفت إليه، و لا راكبني فمسّت ركبتي ركبته. فلما هلك زياد قال فيه حارثة بن بدر:
أبا المغيرة و الدّنيا مغرّرة # و إنّ من غرّت الدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة # و كان عندك للتنكير تنكير
لو خلّد الخير و الإسلام ذا قدم # إذا لخلّدك الإسلام و الخير [1]
و تمام هذه الأبيات قد وقعت في الكتاب الذي أفردناه للمراثي.
و كان زياد لا يداعب أحد في مجلسه و لا يضحك، فاختصم إليه بنو راسب و بنو الطفاوة في غلام أثبته هؤلاء و هؤلاء، فتحيّر زياد في الحكم، فقال له حارثة، بن بدر: عندي أكرم اللّه الأمير في هذا الغلام أمر، إن أذن لي الأمير تكلمت به فيه.
قال: و ما عندك فيه؟قال: أرى أن يلقى في دجلة، فإن رسب فهو لبني راسب، و إن طفا فهو لبني الطفاوة!فتبسم زياد و أخذ نعليه و دخل، ثم خرج فقال لحارثة: ما حملك على الدعابة في مجلسي؟قال: طيبة حضرتني، أصلح اللّه الأمير خفت أن تفوتني، قال: لا تعد إلى مثلها.
ابن زياد و حارثة و أبو الأسود:
و لما ولي عبيد اللّه بن زياد بعد موت أبيه، اطّرح حارثة بن بدر و جفاه، فقال له حارثة: ما لك لا تنزلني التي كان ينزلني أبوك؟أ تدّعي أنك أفضل منه أو أعقل؟ قال له: إنّ أبي كان برع في الفضل بروعا لا تضره صحبة مثلك. و أنا حدث أخشى أن تحرقني بنارك؛ فإن شئت فاترك الشراب و تكون أول داخل و آخر خارج.
قال: و اللّه ما تركته للّه فكيف أتركه لك؟قال: فتخير بلدا أولّيكه. فاختار سرّق