نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 2 صفحه : 235
هم و ابن الزبير:
فبلغهم خروج مسلم بن عقبة إلى المدينة و قتله أهل حرّة، و أنه مقبل إلى مكة، فقالوا: يجب علينا أن نمنع حرم اللّه منهم و نمتحن ابن الزبير، فإن كان على رأينا تابعناه. فلما صاروا إلى ابن الزبير عرّفوه أنفسهم و ما قدموا له، فأظهر لهم أنه على رأيهم، حتى أتاهم مسلم بن عقبة و أهل الشام، فدافعوه إلى أن يأتي رأي يزيد بن معاوية، و لم يتابعوا ابن الزبير؛ ثم تناظروا فيما بينهم، فقالوا: ندخل إلى هذا الرجل فننظر ما عنده، فإن قدّم أبا بكر و عمر و برئ من عثمان و عليّ و كفّر أباه و طلحة بايعناه؛ و إن تكن الأخرى ظهر لنا ما عنده فتشاغلنا بما يجدي علينا. فدخلوا على ابن الزبير و هو متبذّل [1] و أصحابه متفرّقون عنه، فقالوا له: إنا جئناك لتخبرنا رأيك، فإن كنت على صواب بايعناك، و إن كنت على خلاف دعوناك إلى الحق؛ ما تقول في الشيخين؟قال: خيرا، قالوا: فما تقول في عثمان الذي حمى الحمى [2] ، و آوى الطريد، و أظهر لأهل مصر شيئا و كتب بخلافه، و أوطأ آل بني معيط رقاب الناس و آثرهم بفيء المسلمين؛ و في الذي بعده الذي حكّم الرجال في دين اللّه و أقام على ذلك غير تائب و لا نادم؛ و في أبيك و صاحبه و قد بايعا عليّا، و هو إمام عادل مرضي لم يظهر منه كفر، ثم نكثا بيعته و أخرجا عائشة تقاتل، و قد أمرها اللّه و صواحبها أن يقرن [3] في بيوتهن، و كان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة؛ فإن أنت قبلت كلّ ما نقول لك الزّلفى عند اللّه، و النصر على أيدينا إن شاء اللّه، و نسأل اللّه لك التوفيق، و إن أبيت خذلك اللّه و انتصر منك بأيدينا.
فقال ابن الزبير: إن اللّه أمر و له العزّة و القدرة في مخاطبة أكفر الكافرين و أعتى العاتين بأرقّ من هذا القول؛ قال لموسى و أخيه صلى اللّه عليهما: اِذْهَبََا إِلىََ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغىََ، `فَقُولاََ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىََ[4] . و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: لا
[2] حمى الحمى: يريدون أنّه خالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في قوله «لا حمى إلاّ للّه و رسوله» أي لا يحمي للخيل التي ترصد للجهاد و الإبل التي يحمل عليها في سبيل اللّه.