نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 1 صفحه : 34
ولده، يسعى لهم صغارا، و يعلمهم كبارا، يكتسب لهم في حياته، و يدخر لهم بعد مماته. و الإمام العادل يا أمير المؤمنين، كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها و وضعته كرها، و ربّته طفلا، تسهر بسهره، و تسكن بسكونه، ترضعه تارة و تفطمه أخرى، و تفرح بعافيته و تغتم بشكايته. و الإمام العادل يا أمير المؤمنين، وصيّ اليتامى، و خازن المساكين، يربّي صغيرهم، و يمون كبيرهم. و الإمام العادل يا أمير المؤمنين، كالقلب بين الجوارح: تصلح الجوارح بصلاحه و تفسد بفساده. و الإمام العادل يا أمير المؤمنين، هو القائم بين اللّه و بين عباده، يسمع كلام اللّه و يسمعهم، و ينظر إلى اللّه و يريهم، و ينقاد إلى اللّه و يقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملّكك اللّه عز و جل كعبد ائتمنه سيّده و استحفظه ماله و عياله، فبدّد المال، و شرّد العيال، فأفقر أهله و فرّق ماله.
و اعلم يا أمير المؤمنين أن اللّه أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث و الفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟و أن اللّه أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم؟و اذكر يا أمير المؤمنين الموت و ما بعده، و قلة أشياعك عنده و أنصارك عليه؛ فتزوّد له و لما بعده من الفزع الأكبر.
و اعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، و يفارقك أحبّاؤك، يسلمونك في قعره فريدا وحيدا. فتزوّد له ما يصحبك يَوْمَ يَفِرُّ اَلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، `وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ، `وَ صََاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ[1] .
و اذكر يا أمير المؤمنين إِذََا بُعْثِرَ مََا فِي اَلْقُبُورِ، `وَ حُصِّلَ مََا فِي اَلصُّدُورِ[2]
فالآن يا أمير المؤمنين، و أنت في مهل، قبل حلول الأجل، و انقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد اللّه بحكم الجاهلين، و لا تسلك بهم سبيل الظالمين و لا