نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 1 صفحه : 294
فما كان أوشك أن كتب إليه صاحب اليمن يخبره أن بحيرة ساوة غاضت تلك الليلة، و كتب إليه صاحب السّماوة يخبره أن وادي السماوة انقطع تلك الليلة، و كتب إليه صاحب طبريّة أن الماء لم يجر تلك الليلة في بحيرة طبرية؛ و كتب إليه صاحب فارس يخبره أن بيوت النيران خمدت تلك الليلة، و لم تخمد قبل ذلك بألف سنة.
فلما تواترت الكتب أبرز سريره و ظهر لأهل مملكته، فأخبرهم الخبر؛ فقال الموبذان [1] : أيها الملك، إني رأيت تلك الليلة رؤيا هالتني. قال له: و ما رأيت؟قال:
رأيت إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد اقتحمت دجلة، و انتشرت في بلادنا. قال:
رأيت عظيما، فما عندك في تأويلها؟قال: ما عندي فيها و لا في تأويلها شيء، أرسل إلى عاملك بالحيرة، يوجّه إليك رجلا من علمائهم، فإنهم أصحاب علم بالحدثان.
فبعث إليه عبد المسيح بن نفيلة الغساني: فلما قدم عليه أخبره كسري الخبر. فقال له:
أيها الملك. و اللّه ما عندي فيها و لا في تأويلها شيء و لكن جهّزني إلى خال لي بالشام، يقال له سطيح، قال: جهّزوه. فلما قدم على سطيح وجده قد احتضر؛ فناداه فلم يجبه، و كلمه فلم يردّ عليه، فقال عبد المسيح:
أصمّ أم يسمع غطريف اليمن # يا فاصل الخطّة أعيت من و من [2]
أتاك شيخ الحيّ من آل سنن # أبيض فضفاض الرّداء و البدن
رسول قيل العجم يهوي للوثن # لا يرهب الوعد و لا ريب الزّمن [3]
فرفع إليه رأسه، و قال: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، و قد أوفى على الضريح؛ بعثك ملك بني ساسان، لارتجاج الإيوان، و خمود النيران، و رؤيا الموابذان؛ رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا. قد اقتحمت في الواد، و انتشرت في البلاد يا عبد المسيح، إذا ظهرت التّلاوة، و فاض وادي السّماوة، و غاضت بحيرة ساوة و ظهر صاحب الهراوة، و خمدت نار فارس، فليست بابل للفرس مقاما، و لا الشام