نام کتاب : العقد الفريد نویسنده : ابن عبد ربه جلد : 1 صفحه : 182
فحمل عليه رجل من طيء فقتله، فرأي أثر السجود قد لوّح جبهته، فندم على قتله:
مرداس و مقتله
و كان مرداس أبو بلال قد شهد صفّين مع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و أنكر التحكيم، و شهد النّهروان و نجا فيمن نجا. فلما خرج من حبس ابن زياد و رأى شدّة الطلب للشّراة [1] ، عزم على الخروج، فقال لأصحابه: إنه و اللّه ما يسعنا المقام مع هؤلاء الظالمين، تجري علينا أحكامهم، مجانبين للعدل مفارقين للفضل. و اللّه إن الصبر على هذا لعظيم، و إنّ تجريد السيف و إخافة السبيل لشديد؛ و لكنا ننتبذ [2] عنهم و لا نجرّد سيفنا و لا نقاتل إلا من قاتلنا. فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا، منهم: حريث بن حجل و كهمس بن طلق الصّريمي، فأرادوا أن يولّوا أمرهم حريثا فأبى، فولوا أمرهم مرداسا، فلما مضى بأصحابه لقيهم عبد اللّه بن رباح الأنصاري، و كان له صديقا؛ فقال له: يا بن أخي، أين تريد؟فقال: أريد أهرب بديني و دين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة. قال له: أعلم أحد بكم؟قال: لا. قال: فارجع.
قال: أو تخاف عليّ مكروها؟قال: نعم، و أن يؤتى بك. قال: فلا تخف. فإني لا أجرد سيفا و لا أخيف أحدا و لا أقاتل إلا من قاتلني.
ثم مضى حتى نزل آسك؛ فمرّ به مال يحمل إلى ابن زياد و قد بلغ أصحابه الأربعين، فحطّ ذلك المال فأخذ منه عطاءه و أعطيات أصحابه و ترك ما بقي، و قال:
قولوا لصاحبكم إنما أخذنا أعطياتنا. فقال له أصحابه: لما ذا تترك الباقي؟قال: إنهم يقسمون هذا الفيء كما يقيمون الصلاة، فلا تقاتلوهم ما داموا على الصلاة.
فوجّه إليهم ابن زياد أسلم بن زرعة الكلابيّ في ألفين، فلما وصل إليهم، قال له مرداس: اتق اللّه يا أسلم، فإنا لا نريد قتالا و لا نروّع أحدا؛ و إنما هربنا من الظّلم،