نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 10
قالوا: و الخطابة شيء في جميع الأمم، و بكلّ الأجيال [1] إليه أعظم الحاجة، حتى أن الزّنج مع الغثارة [2] ، و مع فرط الغباوة، و مع كلال الحد و غلظ الحس و فساد المزاج، لتطيل الخطب، و تفوق في ذلك جميع العجم، و إن كانت معانيها أجفى و أغلظ، و ألفاظها أخطل و أجهل [3] . و قد علمنا أن أخطب الناس الفرس و أخطب الفرس أهل فارس، و أعذبهم كلاما و أسهلهم مخرجا و أحسنهم دلاّ [4] و أشدهم فيه تحكما، أهل مرو، و أفصحهم بالفارسية الدريّة، و باللغة الفهلوية، أهل قصبة الأهواز، فأما نغمة الهرابذة [5] ، و لغة الموابذة [6] ، فلصاحب تفسير الزمزمة [7] .
قالوا: و من أحبّ أن يبلغ في صناعة البلاغة، و يعرف الغريب، و يتبحر في اللغة، فليقرأ كتاب كاروند. و من احتاج إلى العقل و الأدب، و العلم بالمراتب و العبر و المثلات [8] ، و الألفاظ الكريمة، و المعاني الشريفة، فلينظر في سير الملوك. فهذه الفرس و رسائلها و خطبها و الفاظها، و معانيها. و هذه يونان و رسائلها و خطبها، و عللها و حكمها، و هذه كتبها في المنطق التي قد جعلتها الحكماء بها تعرف السقم من الصحة، و الخطأ من الصواب، و هذه كتب الهند في حكمها و أسرارها، و سيرها و عللها، فمن قرأ هذه الكتب، و عرف نور تلك العقول، و غرائب تلك الحكم، عرف أين البيان و البلاغة، و أين تكاملت تلك الصناعة. فكيف سقط على جميع الأمم من المعروفين بتدقيق المعاني، و تخيّر الألفاظ، و تمييز الأمور، أن يشيروا بالقنا و العصي، و القضبان و القسي.