responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 93

الهيئة، و لشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبه به، و لصار التعجب منه سببا للعجب به، و لصار الإكثار في شأنه علة للإكثار في مدحه، لأن النفوس كانت له أحقر، و من بيانه أيأس، و من حسده أبعد. فإذا هجموا منه على ما لم يكونوا يحتسبونه، و ظهر منه خلاف ما قدروه، تضاعف حسن كلامه في صدورهم، و كبر في عيونهم لأن الشي‌ء من غير معدنه أغرب، و كلما كان أغرب كان أبعد في الوهم و كلما كان أبعد في الوهم كان أطرف، و كلما كان أطرف كان أعجب، و كلما كان أعجب كان أبدع. و إنما ذلك كنوادر كلام الصبيان و ملح المجانين، فإن ضحك السامعين من ذلك أشد، و تعجبهم به أكثر. و الناس موكلون بتعظيم الغريب، و استطراف البعيد، و ليس لهم في الموجود الراهن، و فيما تحت قدرتهم من الرأي و الهوى، مثل الذي زهّد الجيران في عالمهم، و الاصحاب في الفائدة من صاحبهم. و على هذا السبيل يستطرفون القادم عليهم، و يرحلون إلى النازح عنهم، و يتركون من هو أعم نفعا و أكثر في وجوه العلم تصرفا، و أخف مئونة و أكثر فائدة و لذلك قدّم بعض الناس الخارجي‌ [1] على العريق، و الطارف على التلبد و كان يقول: إذا كان الخليفة بليغا و السيد خطيبا، فإنك تجد جمهور الناس و أكثر الخاصة فيهما على أمرين: إما رجلا يعطي كلامهما من التعظيم و التفضيل، و الإكبار و التبجيل، على قدر حالهما في نفسه، و موقعهما من قلبه، و إما رجلا تعرض له التهمة لنفسه فيهما، و الخوف من أن يكون تعظيمه لهما يوهمه من صواب قولهما، و بلاغة كلامهما، ما ليس عندهما حتى يفرط في الإشفاق، و يسرف في التهمة. فالأول يزيد في حقه للذي له في نفسه، و الآخر ينقصه من حقه لتهمته لنفسه، و لإشفاقه من أن يكون مخدوعا في أمره.

فإذا كان الحب يعمي عن المساوئ فالبغض أيضا يعمي عن المحاسن. و ليس يعرف حقائق مقادير المعاني، و محصول حدود لطائف الأمور، إلا عالم حكيم، و معتدل الأخلاط عليم، و إلا القويّ المنة، الوثيق العقدة، و الذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الأعظم، و السواد الأكبر.


[1] الخارجي: العصامي، ضد العريق أو التليد.

نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست