نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 86
و أما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، و المشيرة بغير اليد. و ذلك ظاهر في خلق السموات و الأرض، و في كل صامت و ناطق، و جامد و نام، و مقيم و ظاعن، و زائد و ناقص. فالدلالة التي في الموات الجامد، كالدلالة التي في الحيوان الناطق. فالصامت ناطق من جهة الدلالة، و العجماء معربة من جهة البرهان. و لذلك قال الأول:
«سل الأرض فقل: من شق أنهارك، و غرس أشجارك، و جنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا» .
و قال بعض الخطباء: «أشهد أن السموات و الأرض آيات و آلات و شواهد قائمات، كل يؤدي عنك الحجة و يشهد لك بالربوبية موسومة بآثار قدرتك، و معالم تدبيرك، التي تجليت بها لخلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما أنسها من وحشة الفكر، و رجم الظنون. فهي على اعترافها لك، و افتقارها إليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات و لا تحدك الأوهام، و إن حظ الفكر فيك، الاعتراف لك» .
و قال خطيب من الخطباء، حين قام على سرير الاسكندر و هو ميت:
«الاسكندر كان أمس أنطق منه اليوم، و هو اليوم أوعظ منه أمس» .
و متى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه و إن كان صامتا، و أشار إليه و إن كان ساكتا. و هذا القول شائع في جميع اللغات، و متفق عليه مع إفراط الاختلافات.
و قال عنترة بن شداد العبسي جعل نعيب الغراب خبرا للزاجر:
الحرق: الأسود. شبه لحييه بالجلمين، لأن الغراب يخبر بالفرقة و الغربة و يقطع كما يقطع الجلمان. و أنشدني أبو الرديني العكلي، في تنسم الذئب الريح و استنشائه و استرواحه:
يستخبر الريح إذا لم يسمع # بمثل مقراع الصفا الموقع
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 86