responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 131

و المواتاة، إن كانت هناك طبيعة، أو جريت من الصناعة على عرق. فإن تمنّع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل عرض، و من غير طول إهمال، فالمنزلة الثالثة أن تتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك، و أخفّها عليك، فإنك لم تشتهه و لم تنازع إليه إلا و بينكما نسب، و الشي‌ء لا يحنّ إلا إلى ما يشاكله، و إن كانت المشاكلة قد تكون في طبقات، لأن النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة، و لا تسمح بمخزونها مع الرهبة، كما تجود به مع الشهوة و المحبة. فهذا هذا.

و قال: ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، و يوازن بينها و بين أقدار المستمعين و بين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما و لكل حالة من ذلك مقاما، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، و يقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، و أقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات.

فإن كان الخطيب متكلما تجنّب ألفاظ المتكلمين، كما أنه إن عبر عن شي‌ء من صناعة الكلام واصفا أو مجيبا أو سائلا، كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين، إذ كانوا لتلك العبارات أفهم، و إلى تلك الألفاظ أميل، و إليها أحنّ و بها أشغف، و لأن كبار المتكلمين و رؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء، و أبلغ من كثير من البلغاء. و هم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، و هم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، و هم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفا لكلّ خلف، و قدوة لكل تابع. و لذلك قالوا العرض و الجوهر، و أيس و ليس‌ [1] ، و فرقوا بين البطلان و التلاشي، و ذكروا الهذية و الهوية و الماهية و أشباه ذلك. و كما وضع الخليل بن أحمد [2] لأوزان القصيد و قصار الأرجاز ألقابا لم تكن العرب تتعارف تلك الأعاريض بتلك الألقاب، و تلك الأوزان بتلك الأسماء، كما ذكر الطويل، و البسيط، و المديد، و الوافر، و الكامل، و أشباه ذلك، و كما ذكر الأوتاد


[1] أيس و ليس: الوجود و العدم، استعمل الكندي هاتين اللفظتين في رسائله الفلسفية و كان معاصرا للجاحظ.

[2] الخليل بن أحمد الفراهيدي عاش في القرن الثاني للهجرة و وضع علم العروض و علم الموسيقى و علم المعاجم. و قد ذكره الجاحظ في بعض رسائله.

نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست