نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 130
قال أبو عثمان [1] : أما أنا فلم أر قط أمثل طريقة في البلاغة من الكتّاب، فإنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرا وحشيا، و لا ساقطا سوقيا. و إذا سمعتموني أذكر العوامّ فإني لست أعني الفلاحين و الحشوة [2] و الصناع و الباعة، و لست أعني أيضا الأكراد في الجبال. و سكان الجزائر في البحار، و لست أعني من الأمم مثل الببر و الطيلسان [3] ، و مثل موقان و جيلان [4] ، و مثل الزنج و أشباه الزنج. و إنما الأمم المذكورون من جميع الناس أربع: العرب، و فارس، و الهند، و الروم. و الباقون همج و أشباه الهمج. و أما العوام من أهل ملتنا و دعوتنا، و لغتنا و أدبنا و أخلاقنا، فالطبقة التي عقولها و أخلاقها فوق تلك الأمم و لم يبلغوا منزلة الخاصة منا. على أن الخاصة تتفاضل في طبقات أيضا.
ثم رجع بنا القول إلى بقية كلام بشر بن المعتمر، و إلى ما ذكر من الأقسام.
قال بشر: فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك و لا تعتريك و لا تسمح لك عند أول نظرك و في أول تكلّفك، و تجد اللفظة لم تقع موقعها و لم تصر إلى قرارها و إلى حقها من أماكنها المقسومة لها، و القافية لم تحل في مركزها و في نصابها، و لم تتصل بشكلها، و كانت قلقة في مكانها، نافرة من موضعها، فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن، و النزول في غير أوطانها، فإنك إذا لم تتعاط قرض الشعر الموزون، و لم تتكلف اختيار الكلام المنثور، لم يعبك بترك ذلك أحد. فإن أنت تكلفتهما و لم تكن حاذقا مطبوعا و لا محكما لشأنك، بصيرا بما عليك و ما لك، عابك من أنت أقل عيبا منه، و رأى من هو دونك أنه فوقك.
فإن ابتليت بأن تتكلّف القول، و تتعاطى الصنعة، و لم تسمح لك الطباع في أول وهلة، و تعاصى عليك بعد إجالة الفكرة، فلا تعجل و لا تضجر، و دعه بياض يومك و سواد ليلتك، و عاوده عند نشاطك و فراغ بالك، فإنك لا تعدم الإجابة