responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 129

يعلم فتيانهم الخطابة، فوقف بشر فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد أو ليكون رجلا من النظّارة، فقال بشر: اضربوا عما قال صفحا و اطووا عنه كشحا. ثم دفع إليهم صحيفة من تحبيره و تنميقه، و كان أول ذلك الكلام:

خذ من نفسك ساعة نشاطك و فراغ بالك و إجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرا، و أشرف حسبا، و أحسن في الأسماع، و أحلى في الصدور، و أسلم من فاحش الخطاء، و أجلب لكلّ عين و غرّة، من لفظ شريف و معنى بديع. و أعلم ان ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول، بالكد و المطاولة و المجاهدة، و بالتكلف و المعاودة. و مهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولا قصدا، و خفيفا على اللسان سهلا، و كما خرج من ينبوعه و نجم من معدنه. و إياك و التوعّر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، و التعقيد هو الذي يستهلك معانيك، و يشين ألفاظك. و من أراغ معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما، فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف، و من حقهما أن تصونهما عما يفسدهما و يهجنهما، و عما تعود من أجله أن تكون أسوأ حالا منك قبل أن تلتمس إظهارهما، و ترتهن نفسك بملابستهما و قضاء حقهما. فكن في ثلاث منازل، فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا، و فخما سهلا، و يكون معناك ظاهرا مكشوفا، و قريبا معروفا، أما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، و إما عند العامة إن كنت للعامة أردت. و المعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، و كذلك ليس يتّضع بأن يكون من معاني العامة.

و إنما مدار الشرف على الصواب و إحراز المنفعة، مع موافقة الحال، و ما يجب لكل مقام من المال. و كذلك اللفظ العامي و الخاصيّ. فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك، و بلاغة قلمك، و لطف مداخلك، و اقتدارك على نفسك، إلى أن تفعم العامة معاني الخاصة، و تكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء، و لا تجفو عن الاكفاء، فأنت البليغ التام.

قال بشر: فلما قرئت على إبراهيم قال لي: أنا أحوج إلى هذا من هؤلاء الفتيان.

نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 1  صفحه : 129
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست