نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 114
و قال إسحاق بن حسان بن قوهيّ [1] : لم يفسّر البلاغة تفسير ابن المقفع احد قط. سئل ما البلاغة؟قال: البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة. فمنها ما يكون في السكوت، و منها ما يكون في الاستماع، و منها ما يكون في الإشارة، و منها ما يكون في الاحتجاج، و منها ما يكون جوابا، و منها ما يكون ابتداء، و منها ما يكون شعرا، و منها ما يكون سجعا و خطبا، و منها ما يكون رسائل. فعامة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها، و الإشارة إلى المعنى، و الإيجاز، هو البلاغة. فأما الخطب بين السماطين، و في إصلاح ذات البين، فالإكثار في غير خطل، و الإطالة في غير إملال، و ليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته. كأنه يقول: فرّق بين صدر خطبة النكاح و بين صدر خطبة العيد، و خطبة الصلح و خطبة التواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه، فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناك، و لا يشير إلى مغزاك، و إلى العمود الذي إليه قصدت، و الغرض الذي إليه نزعت. قال: فقيل له:
فإن مل السامع الإطالة التي ذكرت أنها حق ذلك الموقف؟قال: إذا أعطيت كلّ مقام حقه، و قمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، و أرضيت من يعرف حقوق الكلام، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد و العدو، فإنه لا يرضيهما شيء. و أما الجاهل فلست منه و ليس منك. و رضا جميع الناس شيء لا تناله. و قد كان يقال: «رضا الناس شيء لا ينال» .
قال: و السنّة في خطبة النكاح أن يطيل الخاطب و يقصر المجيب. أ لا ترى أن قيس بن خارجة بن سنان، لما ضرب بصفيحة سيفه مؤخّرة راحلتي الحاملين في شأن حمالة داحس و الغبراء [2] ، و قال: ما لي فيها أيها العشمتان [3] ؟قالا له: بل ما عندك؟قال: عندي قرى كلّ نازل، و رضا كل
[1] إسحاق بن حسان بن قوهي: شاعر عباسي اتصل بيحيى بن خالد و مدحه.
[2] الحمالة: الدية يحملها قوم عن قوم. و داحس و الغبراء اسما حصان و فرس أدى الرهان عليهما إلى نشوب حرب في الجاهلية بين قبيلتي عبس و ذبيان.