نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 106
و قد رأينا اللّه عز و جل ردد ذكر قصة موسى و هود، و هارون و شعيب، و إبراهيم و لوط، و عاد و ثمود. و كذلك ذكر الجنة و النار و أمور كثيرة، لأنه خاطب جميع الأمم من العرب و أصناف العجم، و أكثرهم غبي غافل، أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب.
و أما أحاديث القصص و الرقة فإني لم أر أحدا يعيب ذلك.
و ما سمعنا بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الألفاظ و ترداد المعاني عيّا، إلا ما كان من النخار بن أوس العذري، فإنه كان إذا تكلم في الحمالات [1] و في الصفح و الاحتمال، و صلاح ذات البين، و تخويف الفريقين من التفاني و البوار-كان ربما ردد الكلام عن طريق التهويل و التخويف، و ربما حمى فنخر.
[جعفر بن يحيى]
و قال ثمامة بن أشرس [2] : كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع الهدوء و التمهل، و الجزالة و الحلاوة، و افهاما يغنيه عن الإعادة. و لو كان في الأرض ناطق يستغني بمنطقه عن الإعادة.
و قال مرة: ما رأيت أحدا كان لا يتحبّس و لا يتوقّف، و لا يتلجلج و لا يتنحنح، و لا يرتقب لفظا قد استدعاه من بعد، و لا يلتمس التخلص إلى معنى قد تعصّى عليه طلبه، أشد اقتدارا، و لا أقلّ تكلفا، من جعفر بن يحيى.
و قال ثمامة: قلت لجعفر بن يحيى: ما البيان؟قال: أن يكون الاسم يحيط بمعناك، و يجلي عن مغزاك، و تخرجه عن الشركة، و لا تستعين عليه بالفكرة. و الذي لا بد له منه، أن يكون سليما من التكلف، بعيدا من الصنعة، بريئا من التعقد، غنيا عن التأويل.