نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 39
الارتفاق [1] بالمصباح ما أمكن الصبر. ثم أنهم تناهدوا [2] و تخارجوا [3] ، و أبى واحد منهم أن يعينهم، و أن يدخل في الغرم [4] معهم. فكانوا إذا جاء المصباح شدّوا عينه بمنديل؛ و لا يزال و لا يزالون كذلك، إلى أن يناموا و يطفئوا المصباح، فإذا أطفئوه أطلقوا عينيه.
و رأيت أنا حمّارة منهم، زهاء خمسين رجلا، يتغدون على مباقل [5]
بحضرة قرية الأعراب، في طريق الكوفة، و هم حجّاج. فلم أر من جميع الخمسين رجلين يأكلان معا، و هم في ذلك متقاربون، يحدّث بعضهم بعضا. و هذا الذي رأيته منهم من غريب ما يتفق للناس.
حدّثني مويس بن عمران [6] قال: «قال رجل منهم لصاحبه، و كانا إمّا متزاملين [7] ، و إما مترافقين، «لم لا نتطاعم [8] ؟فان يد اللّه مع الجماعة، و في الاجتماع البركة» ؛ و ما زالوا يقولون: «طعام الاثنين لا يكفي الثلاثة، و طعام الثلاثة لا يكفي الأربعة» . فقال له صاحبه:
«لو لا أعلم أنك آكل مني لأدخلت لك هذا الكلام في باب النصيحة» .
فلما كان الغد، و أعاد عليه القول، قال له: «يا عبد اللّه معك رغيف، و معي رغيف؛ و لو لا أنك تريد الشرّ، ما كان حرصك على مؤاكلتي.
تريد الحديث و المؤانسة؟اجعل الطبق واحدا، و يكون رغيف كل منّا قدّام صاحبه. و ما أشك أنك إذا أكلت رغيفك، و نصف رغيفي،
[1] الارتفاق: استعمال الشيء و الانتفاع به. صبروا على الارتفاق بالمصباح: استغنوا عن الإنارة.
[2] تناهدوا: أخرج كل واحد منهم مالا بقدر الآخر مشاركة بالنفقة.