و روي أنه قرأ صكا محلَّه شعبان ، فقال الشّعابين الماضي أم الآتي ؟ فكان ذلك سبب التّاريخ من الهجرة بعد أن أرادوا أن يؤرّخوا من المبعث ، ثم اتّفق الرأي على الهجرة ، وقالوا : ما نجعل أوّل التّاريخ ؟ فقال بعضهم : شهر رمضان وقال بعضهم : رجب ، فإنّه شهر حرام ، والعرب تعظَّمه ، ثم اجمعوا على المحرّم فقالوا : شهر حرام وهو منصرف النّاس عن الحج ، وكان آخر الأشهر الحرم فصيّروه أوّلا لأنّها عندهم ثلاثة سرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وواحد فرد وهو رجب فكان الأربعة تقع في سنتين . فلما صار المحرم أولا اجتمعت في سنة ، والتاريخ لغة قيس ، وعليه استعمال النّاس والتّوريخ لغة تميم وما استعمله كاتب قطَّ ، وإن كان التّكلم به كثيرا في ألسنة العرب . و قال بعض الكتّاب : التاريخ عمود اليقين - مبيد الشّكوك - به تثبت الحقوق - وتحفظ العهود . قال أبو بكر الصّولي : وكان لا يقع التّاريخ في شيء من الكتب السلَّطانية من رئيس أو مرؤوس إلَّا في أعجاز الكتب ، وقد يؤرخ النّظر والتّابع ما خص من الكتب في صدورها . و قال إبراهيم بن العباس : الكتاب بلا تاريخ نكرة بلا معرفة ، وغفل بغير سمة . قال أبو عبد اللَّه : وكتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار أن يبعث إليه من كلّ مصر برجله ، فوفد عليه عتبة بن فرقد السّلمي من الكوفة - ومجاشع بن مسعود السّلمي من البصرة - وأبو الأعور السّلمي من الشّام - ومعن بن يزيد السّلمي من مصر فتوافوا عنده كلَّهم من بني سليم . قال أبو الحسن علي بن سليم : قال بعض الشعراء في صاحب توفّي وكان يؤرّخ علم القرون فها هو اليوم أرخاء . و ذكر الصّولي أنّه كاتب أبا خليفة الفضل بن الحباب القاضي في أمور أرادها ، قال : فأغفلت التّاريخ ، فكتب بعد نفوذ الثّاني : وصل كتابك مبهم الألوان مظلم البيان ، فأدى جراما القرب فيه بأولى من البعد ، فإذا كتبت أعزّك اللَّه فلتكن كتبك موسومة بتاريخ لأعرف به أدنى آثارك ، وأقرب أخبارك إن شاء اللَّه قال : فكتبت إليه كتابا جعلت التّاريخ في صدره وقلت معه : قد قبلنا دلائل البرهان - واعترفنا بالبرّ والإحسان - وجعلت التّاريخ بعد دعاء لائحا للعيون كالقنوان . شعر :
حبّذا أنت من مفيد علوم * وافدات بحكمة وبيان هي أسنى ذكرا وأكثر نفعا * من كنوز اللَّجين والعقيان