الباب السّادس والثّلاثون في ذكر أحوال البادين والحاضرين ، وبيان تنقلَّهم وتصرّف الزّمان بهم قال الأصمعيّ : للعرب ظعنان : أحدهما ظعن للتّبدي وذلك إذا أخرفوا وميقاته ما بين طلوع سهيل إلى سقوط الفرغ المؤخّر ، فإذا أخرفوا تصدّعوا عن المحاضر ولقسمتهم المناجع ، وحجروا الأعداد ، واستبدلوا بها الأوراد ، فظعنوا عن دار المقيظ . و الظَّعن الآخر : يكون عند انصرام الرّطب وهيج الأرض ونضوب الماء ، وهجوم الصّيف كما قال : ( حتى إذا العود اشتهى الصّبوحا ) يعني شدّة الحر ، والعود أصبر على العطش من غيره ، فإذا اشتهى الماء في أول النّهار فهو أشدّ الحر ، وقد كثر متصرّفاتهم في وصف المحلين ، والتّرددّ في الرّحلتين ، ومفارقة الحضارة ، ومراجعة البداوة . وذلك أنّهم يقيمون على مياههم ما أقامت وقدات الحر ، وعزات القيظ ، فإذا سكنت نائرتها وأذنت بتولَّيها ، فباخت سورتها وأمكن مدّ إظمائها ، وأقبلت الأرض تربل ، والعضاه تتروّج ابتدؤوا يبدون . و قد أخبر بعضهم عن ذلك قال :
قد تشكَّى النّساء وأظلم الأمعو * ذ واخضرّ جيب أمر قسيم
أي اتّخذن الشّكاكين ، وأظلم أراد أنّ الظَّباء سمنت وأشرت ، فهي تتناطح ، وأمر قسيم : إذا خرجت زهرتها من النّبات فمن متبطَّئ ومتعجّل ، وذلك على حسب مساعدة الأحوال ومداورة الأزمان لأنّها كما تستنهض تستوقف ، وعلى ما تقدم قد تؤخر ، فبكاؤهم للظَّاعنين وجزعهم في أثر المفارقين ، وحنينهم على الخلطاء ، والمجاورين للعارض المغير ، كما أنّ مداناة المزالف ومراجعة المالف والمخالف لحادث آخر مبدّل ، فتارة يبنون عرش الشّجر وهو الخيام مظللة بالثّمام وتارة يسكنون بيوت الصّوف والوبر منصبة بالعمد والحبال . فمن ذلك قول ذي الرّمة شعرا :