وارتعج البرق إذا تتابع لمعانه . قال أبو عبد اللَّه : سئل بعضهم عن البرق فقال : مصعة ملك أي يضرب السّحاب ضربة فترى النّيران وأنشد :
و كان المصاع بما في الجون
ويقال : أزعج البرق وبرق مزعج قال :
سحّا أهاضيب وبرقا مزعجا * تجاوب الرّعد إذا تبوّجا
والتبوّج : مثل التكشّف ، ويقال : تبوّج تبوّجا . و يقال : أخفا البرق كأقيد الطَّير قال :
خفا كأقيد الطَّير وهنا كأنّه * سراج إذا ما يكشف اللَّيل أظلما
وقال عمرو بن معدي كرب : يلوح كأنّه مصباح باز . قال أصحاب المعاني : أراد مصباح رجل من بني باهلة فمصباح لا يطفأ . فصل في الرّعد والبرق والسّحاب من كلام الأوائل قالوا : إذا علا البخار الرّطب وبلغ إلى الموضع البارد والجبال دفعه البرد إلى أسفل ، فاحتقن هناك ، وصارت الجبال القريبة له كالمغارات ، وتكاثفت أجزاؤه فيكون منه السّحاب والضّباب والنجدى ، على قدر اختلاف البخار الذي يصعد . فإذا اجتمع ذلك البخار الرّطب هناك حصر ما فيه من البخار اليابس الصّاعد من الأرض معه ، وإذا كان ذلك اضطرب البخاران اليابس الحار والبارد الرّطب في جوف السّحاب ، فقرع السّحاب وصدعه فيكون من ذلك القرع صوت يسمى الرّعد ، ويكون من ذلك التّصدع تلهّب ، يقال له : البرق ، وهما يكونان في وقت واحد ، ولكنّ البصر ترى الألوان بلا زمان والسّمع لا يدرك الصوت إلا بزمان ، وذلك الزّمان على قدر بعد السّحاب من الأرض . فإذا كان ذلك السّحاب من الأرض قريبا تبيّن رؤية البرق ، وسمع الرّعد في زمانين متقاربين . وإذا كان السّحاب بعيدا من الأرض كان بين رؤية البرق وسماع الرّعد زمان طويل . وشبّه ذلك الصّوت الذي يكون من السّحاب بالحطب الرّطب الذي تشتعل فيه النّار