وقال أبو إسحاق
في قول الله جَلَّ وعَزَّ : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ
الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)) [العاديات : ٨] أي لَبَخيل. أي وإنَّه من أجْلِ حُبِّ الخَيْر لَبَخيل.
وقال طَرَفة :
أَرَى الموتَ
يَعْتامُ الكريمَ ويَصْطَفِي
عَقِيلَةَ
مالِ الفاحِش المتشَدِّدِ
وقال الليث : الشَّدائدُ الهَزاهِز. قال : والأَشُدُّ : مَبْلغُ الرَّجل الحُنْكَةَ والمعْرِفَة.
وقال الله عزوجل : (حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ) [الإسراء : ٣٤].
وقال أبو عُبيد
: قالَ الفرّاء
الأشُدُّ واحدِها شَدٌّ في القياس ، ولمَ أسْمَع لها بوَاحد.
وأنشد :
قَدْ سَادَ
وهْو فَتًى حتى إذا بَلَغتْ
أشُدُّهُ
وَعلَا في الأمْر واجْتمعا
وأخبرني
المنذريّ ، عن أبي الهيثم ، أنه قال : وَاحَدةُ الأنعُم نِعْمَة ، وواحدةُ الأشُدِّ شِدَّة. قال : والشِّدَّةُ القُوَّةُ والجَلادَة.
قال : والشَّديد الرّجُل الْقَوِيّ. قال : وكأَنّ الْهَاءَ في النِّعْمة
والشِّدَّة لم تَكُنْ في الحرف ، إذْ كانت زَائِدَة ، وكأَنَّ
الأصل نِعْمٌ وشِدٌّ ، فجمعا على أَفْعُل ، كما قالوا : رِجْلٌ وأرْجُل ،
وقِدْحٌ وأقْدُح ، وضِرْسٌ وأضْرُس.
قلت : والأشُدُّ في كتاب الله جلَّ وعزَّ جاء في ثَلاثة مَواضِع بمعانٍ
يَقْرُبُ اخْتِلافها فأمّا قول الله جلَّ وعزّ في قِصة يُوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ
حُكْماً وَعِلْماً) [يوسف : ٢٢] فمعناه الإدراك والبلُوغ ، فحينئذٍ راودَتْه امرأةُ العزيز عن
نفسه ، وكذلك قوله جلَّ وعزّ : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ
الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الإسراء : ٣٤].
فقال الزجاج :
معناه ، احْفَظوا عليه مَالَه (حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ) فإذا بلغ أشُدّه
فادفعوا إليه
ماله. قال : وبُلُوغه أشدّه
أن يُؤنَسَ منه
الرُّشد مع أن يكونَ بالغاً. قال : وقال بعضهم : (حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ) حتى يبلغ ثماني عشرة سَنة.
وقال أبو إسحاق
: لست أعرف ما وجهُ ذلك ، لأنه إن أدرك قبل ثماني عشرة سنة وقد أُونِسَ منه
الرُّشد ، فطلب دفْعَ مالِه إليه ، وجب له ذلك.