الضِّعْفِ
بِما عَمِلُوا) [سَبَأ : ٣٧] لم يُرِدْ به مِثْلاً ولا مثلَين ، ولكنَّه أراد بالضِّعف الأضعاف ، وأَولى الأشياء به أن يُجعلَ عشرةَ أمثاله ، لقول الله
جلّ وعزّ : (مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى
إِلَّا مِثْلَها) [الأنعَام : ١٦٠] فأقلُ الضعف
محصور وهو
المثل ، وأكثره غير محصور. وأما قول الله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا
الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزَاب : ٣٠] إنّهما
ضعفانِ اثنان فإن سياق
الآية والآية التي بعدها دلّ على أنّ المراد من قوله ضِعْفَيْنِ مَرَّتينِ. ألا ترى قوله بعد ذكر العذاب : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [الأحزَاب : ٣١]. فإذا جعل الله لأمّهات المؤمنين من الأجر مثلَيْ ما
لغيرهنّ من نساء الأمَّة تفضيلاً لهنّ عليهنّ ، فكذلك إذا أتت بفاحشةٍ إحداهُنَّ
عُذبتْ مثلَيْ ما يعذَّب غيرها. ولا يجوز أن تُعطَى على الطاعة أجرَين ، وعلى
المعصية أن تعذّبَ ثلاثة أعذبة.
وهذا الذي
قلتُه قولُ حُذّاق النحويين وقولُ أهل التفسير. وإذا قال الرجل لصاحبه : إن
أعطيتني درهماً كافأتك بضعفين ، فمعناه بدرهمين.
وقال أبو إسحاق
الزَّجَّاجُ في قول الله : (فَآتِهِمْ عَذاباً
ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعرَاف : ٣٨] قال : عذاباً
مضاعفاً ؛ لأنّ الضِّعف في كلام العرب على ضربين : أحدهما المثل ، والآخر أن
يكون في معنى تضعيف
الشيء (قالَ لِكُلٍ ضِعْفٌ) [الأعرَاف : ٣٨] أي للتابع والمتبوع ؛ لأنّهم قد دخلوا في الكفر جميعاً ،
أي لكلٍّ عذابٌ مضاعف.
وقول الله جلّ
وعزّ : (إِذاً لَأَذَقْناكَ
ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسرَاء : ٧٥] أي أذقْناك ضِعفَ
عذاب الحياة وضِعفَ عذاب الممات ، ومَعناهما
التضعيف.
وقول الله جلّ
وعزّ : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ
زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الرُّوم : ٣٩] معناه الداخلون في التضعيف
، أي يُثابون الضِّعْف الذي قال الله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ
جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) [سَبَأ : ٣٧].
والعرب تقول ضاعفت الشيء وضعّفته
، بمعنًى واحد.
ومثله امرأة مُناعَمة ومنعَّمة ، وصاعَر المتكبّر خَدَّه وصعّره ، وعاقدت وعقّدت ،
وعاقبت وعقّبت ، بمعنًى واحد.
أبو عبيد عن
أبي عمرو قال : المضعوف
من أضعفتُ الشيء وأنشد قول لبيد :
وعالَين
مضعوفاً وفَرداً سُموطُه
جُمانٌ
ومَرجانٌ يشكُّ المفاصلا
وأما قول الله عزوجل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ
قُوَّةٍ ضَعْفاً) [الرُّوم : ٥٤] قال قتادة :
(خَلَقَكُمْ مِنْ
ضَعْفٍ) قال : من النُّطفة. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ
بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) ، قال : الهَرَم. وفيه لغتان : الضَّعْف والضُّعْف. وقرأ عاصم وحمزة : (وَعَلِمَ أَنَّ
فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] و: (اللهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الرُّوم : ٥٤] بفتح الضاد فيهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر
والكسائي : (من ضُعْفٍ) و (ضُعْفاً) بضم الضاد ، وهما لغتان. وقال الليث : يقال ضعف الرجل يضعف
ضَعفاً وضُعفاً ، وهو خلاف القُوّة قال :