و حدث محمد (أحمد) بن أبي يعقوب الكاتب قال: لما كانت ليلة عيد الفطر من سنة 292 [1] تذكرت ما كان فيه آل ابن طولون [2] في مثل هذه الليلة من الزي الحسن بالسلاح و ملونات البنود و الأعلام و شهرة (و شهر) (و شهير) الثياب و كثرة الكراع و أصوات الأبواق و الطبول فاعترتني (فاعتراني) لذلك فكرة (عبرة لذلك و فكرة) و نمت في ليلتي فسمعت هاتفا يقول:
ذهب الملك و التملك و الز* * * ينة لما مضى بنو طولون
و قال أحمد بن أبي يعقوب:
إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم* * * فارتع و عج بمراتع الميدان
و انظر إلى تلك القصور و ما حوت* * * و امرح بزهرة ذلك البستان
و إن اعتبرت ففيه أيضا عبرة* * * تنبيك كيف تصرف العصران
[1] هذا التاريخ ذكره صاحب الكتاب نفسه لذا فاليعقوبي توفي بعد عام 292 ه، و ليس كما ذكر في معجم الأدباء عن أبي عمر بن يوسف بن يعقوب المصري من أنه توفي عام 284 ه، و لا ما ذكره خير الدين الزركلي في الأعلام من أن وفاته كانت سنة 278 ه.
[2] ابن طولون: هو أحمد بن طولون، أبو العباس، الأمير، صاحب الديار المصرية، و الشامية، و الثغور، تركي مستعرب، كان شجاعا جوادا حسن السيرة، يباشر الأمور بنفسه، موصوفا بالشدّة على خصومه، و كثرة الإثخان و الفتك في من عصاه، بنى الجامع المنسوب إليه في القاهرة، و من آثاره قلعة يافا بفلسطين، كان أبوه مولى لنوح بن أسد الساماني عامل بخارى و خراسان، و أهداه نوح في جملة من المماليك إلى المأمون، فرقّاه المأمون، و ولد له أحمد سنة 220 ه/ 835 م في سامرّاء فتفقّه و تأدّب و تقدّم عند الخليفة المتوكّل إلى أن ولي إمرة الثغور، و إمرة دمشق، ثم مصر سنة 254 ه، و انتظم له أمرها مع ما ضمّ إليها، و وقعت له مع الموفّق العباسي أمور، فرحل بجيش إلى أنطاكية فمرض فيها، فركب البحر إلى مصر، فتوفي بها سنة 270 ه/ 884 م. يؤخذ عليه أنه كان حادّ الخلق، سفك كثيرا من الدماء في مصر و الشام.