الصفعات المغمية ، والضربات المدمية ، طلبوا حمارا ، وكان حمارا المكاري
حاضرا ، فتعادوا إليه ، وأركبوا التاجر عليه ، فالمكاري ذهب عنه القرار ، وينادي
بالويل ويعدو خلف الحمار ، إلى أن طيف بجميع المحالّ والبلد بغداد.
فلمّا كان
المساء ردّوا الحمار إلى المكاري جائعا سلّمه الطّوى إلى التّوى ، والصّدى إلى
الردى! فأخذه المكاري مترحّما مدّ أذنيه ، وتفل ما بين عينيه ، وزاد في علفه ،
خوفا من تلفه. فلمّا دنا الصباح ، وظهر أثر النهار ولاح ، قرع سمعه صوت أهول من
الصيحة الأمسية ، فالتفت المكاري فإذا المحتسب على الباب ، وصاحب الشرطة كاشر
الناب ، فقال المكاري : ماذا حدث؟قالوا : ذاك التاجر أخذ مرّة أخرى مع غلام القاضي
، كالسيف الماضي ، فأراد المكاري أن يواري الحمار ، فسبقت العامة إليه ، وأركبوا
التاجر عليه ، والمكاري يعدو خلفه ويصيح ، بعين باكية وقلب جريح ، إلى أن طيف به
في جميع المحالّ ثمّ ردّوه إلى المكاري وقد أشرف على الهلاك ، ولا يقدر على الحراك
، فبات المكاري مسلوب القرار ، في مداواة الحمار ، فلمّا انتشرت أعلام الضوء ، في
أقطار الجوّ ، صكّت أذنه من الصيحتين الأوليين ، فالتفت فإذا المحتسب في الدرب ،
وصاحب الشرطة منشمر للضرب ، فقال المكاري : ماذا حدث؟قالوا : ذاك التاجر أخذ مرّة
أخرى مع غلام الرئيس ، كالدرّ النفيس ، والعامة رأت حمار المكاري فعدت إليه فعدا
المكاري إلى التاجر وقال : يا خبيث! ان لم تترك صنعتك الشنيعة ، ولم ترجع عن فعلتك
القبيحة ، فاشتر حمارا يركبونك عليه كلّ يوم فقد أهلكت حماري ، وأزلت قراري! وها
أنا أقول ما قال المكاري للتاجر ، إن أردت أن تكون كاتبا للأمير ، فهيّىء النقس
والطرس ، وإلّا فالزم البيت والعرس.