ويدخلون الطعام عليه سرّا ، فإن عرف ذلك أحد من الرعيّة قتلوه لوقته ،
ويشرب شرابا من الذّرة مقوّى بالعسل ، ولبسه الثياب الرفيعة من الصوف والخزّ
والديباج ، وحكمه نافذ في رعيته ، ويده مطلقة يسترق من شاء ويتصرّف في أموالهم ،
وهم يعتقدون أنّه يحيي ويميت ويصحّ ويمرض.
وجرى ذكر ملك
النوبة في مجلس المهدي أمير المؤمنين ، فقال بعض الحاضرين إن له مع محمّد بن مروان
قصّة عجيبة ، فأمر المهدي بإحضار محمّد بن مروان ، وسأله عمّا جرى بينه وبين ملك
النوبة ، فقال : لمّا التقينا أبا مسلم بمصر وانهزمنا وتشتّت جمعنا ، وقعت أنا
بأرض النوبة ، فأحببت أن يمكنني ملكهم من المقام عنده زمانا ، فجاءني زائرا ، وهو
رجل طويل أسود اللون ، فخرجت إليه من قبّتي وسألته أن يدخلها ، فأبى أن يجلس إلّا
خارج القبّة على التراب.
فسألته عن ذلك
فقال : إن الله تعالى أعطاني الملك فحقّ عليّ أن أقابله بالتواضع.
ثمّ قال لي :
ما بالكم تشربون النبيذ وانّها محرّمة في ملّتكم؟ قلت : نحن ما نفعل ذلك وإنّما
يفعله بعض فساق أهل ملّتنا! فقال : كيف لبست الديباج ولبسه حرام في ملّتكم؟ قلت :
إن الملوك الذين كانوا قبلنا ، وهم الأكاسرة ، كانوا يلبسون الديباج ، فتشبّهنا
بهم لئلا تنقص هيبتنا في غير الرعايا. فقال : كيف تستحلّون أخذ أموال الرعايا من
غير استحقاق؟ قلت : هذا شيء لا نفعله نحن ولا نرضى به ، وإنّما يفعله بعض عمّالنا
السوء! فأطرق وجعل يردّد مع نفسه : يفعله بعض عمّالنا السوء! ثمّ رفع رأسه وقال :
إن لله تعالى فيكم نعمة ما بلغت غايتها ، اخرج من أرضي حتى لا يدركني شؤمك! ثمّ
قام ووكّل بي حتى ارتحلت من أرضه ، والله الموفق.
تغارة
بلدة في جنوبي
المغرب بقرب البحر المحيط ، حدّثني الفقيه علي الجنحاني أنّه دخلها فوجد سور
المدينة من الملح ، وكذلك جميع حيطانها ، وكذلك السواري