responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سير اعلام النبلاء - ط الحديث نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 12  صفحه : 240
يَقُوْلُ: ربِّ هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, أَتُرَاكَ تُعذِّبُ الرَّعِيَّةَ وَأَنْتَ أَحكمُ الحَاكمِينَ وَأَعدلُهُمْ, أَنْ يَفُوتَكَ مِنِّي شَيْءٌ, فَتَهَلَّلَ مُنذرُ بنُ سَعِيْدٍ وَقَالَ: يَا غُلاَمُ, احملِ المِمْطَرَةَ مَعَكَ, إِذَا خَشَعَ جَبَّارُ الأَرضِ رَحِمَ جَبَّارُ السَّمَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَفِيْفٍ: مِنْ أَخبارِهِ المحفوظَةِ, أنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَمِلَ فِي بَعْضِ سُطُوحِ الزَّهْرَاءِ قُبَّة بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ, وَجَلَسَ فِيْهَا, وَدَخَلَ الأَعْيَانُ, فَجَاءَ مُنذرُ بنُ سَعِيْدٍ فَقَالَ لَهُ الخَلِيْفَةُ كَمَا قَالَ لِمَنْ قَبْلَهُ: هَلْ رَأَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ أنَّ أَحَداً مِنَ الخُلَفَاءِ قَبْلِي فَعَلَ مِثْلَ هَذَا, فَأَقْبَلَتْ دُمُوعُ القَاضِي تتحدَّر, ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْكَ هَذَا المَبْلَغَ, أَنْ أَنْزَلَكَ منازِل الكُفَّارِ, قَالَ: لِمَ؟ فَقَالَ: قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّة} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزُّخْرُف: 33, 34] , فنكَّس النَّاصِرُ رَأْسَهُ طَوِيْلاً, ثُمَّ قَالَ: جَزَاكَ اللهُ عنَّا خَيراً وَعَنِ المُسْلِمِينَ, الَّذِي قُلْتَ هُوَ الحَقُّ, وَأَمَرَ بِنَقْضِ سَقْفِ القُبَّةِ.
وَخَطَبَ يَوْماً فَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ, فَقَالَ: حَتَّى مَتَى أَعِظُ وَلاَ اتَّعظ, وَأَزجُرُ وَلاَ أَزدَجِرُ, أَدُلُّ عَلَى الطَّرِيْقِ المُسْتَدِلِّيْنَ، وَأَبقَى مُقيماً مَعَ الحَائِرِينَ, كلاَّ, إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاَءُ المُبِيْنُ, اللَّهُمَّ فرغِّبْنِي لِمَا خَلَقْتَنِي لَهُ, وَلاَ تَشْغَلْنِي بِمَا تكفَّلْت لِي بِهِ.
وَقَدِ اسْتغرقَ مرَّةً فِي خطْبَتِهِ بِجَامعِ الزَّهرَاءِ, فَأَدْخَلَ فِيْهَا: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشُّعرَاء] فتخيِّر النَّاصِرُ لخطَابَةِ الزَّهْرَاءِ أَحْمَدَ بنَ مطرِّفٍ إِذَا حَضَرَ الناصر.
توفِّي مُنذرُ فِي انسلاخِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ, وَقَدْ سَمِعَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَأَخَذَ عَنِ ابْنِ المُنْذِرِ كِتَابَ "الإِشرَافِ".
وَمِنْ خطبَتِهِ؛ إِذْ أُرتِجَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ القَالِيِّ: أَمَّا بَعْدُ, فانَّ لِكُلِّ حَادثَةٍ مَقَاماً، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالاً، وَلَيْسَ بَعْدَ الحَقِّ إلَّا الضَّلاَل, وَإِنِّي قَدْ قُمْتُ فِي مَقَامٍ كَرِيمٍ, بَيْنَ يَدَيْ مَلكٍ عَظيمٍ, فَأَصغُوا إليَّ مَعْشَرِ الملأِ بِأَسْمَاعكُمْ, إنَّ مِنَ الحَقِّ أَنْ يُقَالَ للمُحِقِّ صَدَقْتَ, وَللمُبْطِلِ كَذبتَ، وإنَّ الجَلِيْلَ تَعَالَى فِي سَمَائِهِ، وَتَقَدَّسَ بِأَسمَائِهِ, أَمرَ كَلِيْمَهُ مُوْسَى أَنْ يُذَكِّرَ قومَهُ بِنِعَمِ اللهِ عِنْدَهُمْ, وَأَنَا أذَكِّركم نِعَمَ الله عليكم, وتلافيه لَكُمْ بِوِلاَيَةِ أَمِيْرِكُم, الَّتِي آمَنَتْ سِرْبَكُمْ، وَرَفَعَتْ خَوفَكُمْ, وَكُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ, وَمُسْتَضْعَفِينَ فقوَّاكم, وَمُستَذلِّينَ فَنَصَرَكُمْ, وَلاَّهُ اللهُ أَيَّاماً ضَرَبَتِ الفِتْنَةُ سُرَادقَهَا عَلَى الآفَاقِ، وَأَحَاطَتْ بِكُمْ شُعَلُ النِّفَاقِ, حَتَّى صِرتُمْ مِثْلَ حَدَقَةِ البَعيرِ, مَعَ ضِيقِ الحَالِ وَالتَّغييرِ, فَاسْتُبْدِلْتُمْ بِخِلاَفَتِهِ مِنَ الشِدَّةِ بِالرَّخَاءِ, ... إِلَى أَنْ قَالَ: فَنَاشدتُكُمُ اللهَ, أَلَمْ تَكُنِ الدِّمَاءُ مسفوكَةً فَحَقَنَهَا، وَالسُّبُلُ مخوفَةً فأمَّنها، وَالأَمْوَالُ منتَهَبَةً فَأَحْرَزَهَا, وَالبِلاَدُ خرَاباً فعمَّرها, وَالثُّغُوْرُ مُهتضمَةً فَحَمَاهَا وَنَصَرَهَا, فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ عَلَيْكُمْ, وَذَكَرَ بَاقِي الخطْبَةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَولِدَهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ, فَيَكُونُ عمُرُهُ تِسْعِيْنَ سنَةً كَاملَةً -رحمه الله تعالى.

نام کتاب : سير اعلام النبلاء - ط الحديث نویسنده : الذهبي، شمس الدين    جلد : 12  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست