responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 7  صفحه : 226
3241 - إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان أبو إسحاق العنزي المعروف بأبي العتاهية الشاعر أصله من عين التمر، ومنشؤه الكوفة، ثم سكن بغداد، وأبو العتاهية لَقَبٌ لُقِّبَ به لاضطراب كان فيه، وقيل: بل كان يحب المجون والخلاعة، فكني لعتوه: أبا العتاهية.
وهو أحد من سار قوله وانتشر شعره وشاع ذكره ويقال: إن أحدا لم يجتمع له ديوانه بكماله لعظمه، وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء قديما، ثم نسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد وطريقة الوعظ، فأحسن القول فيه، وجود وأربى على كل من ذهب ذلك المذهب، وأكثر شعره حكم وأمثال، وكان سهل القول قريب المأخذ، بعيدا من التكلف، مقدما في الطبع.
حدثني عبيد الله بن أبي الفتح، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، قال: حدثني علي بن الحسن بن عبيد الشيباني، قال: حدثني هارون بن سعدان، قال: كنت جالسا مع أبي نواس في بعض طرق بغداد، وجعل الناس يمرون به، وهو ممدود الرجل بين بني هاشم وفتيانهم والقواد وأبنائهم، ووجوه أهل بغداد فكل يسلم عليه فلا يقوم إلى أحد منهم ولا يقبض رجله إليه، إذ اقبل شيخ راكبا على حمار مريسي وعليه ثوبان ديبقيان قميص ورداء قد تقنع به ورده على أذنيه، فوثب إليه أبو نواس، وأمسك الشيخ عليه حماره واعتنقا وجعل أبو نواس يحادثه، وهو قائم على رجليه فمكثا بذلك مليا حتى رأيت أبا نواس يرفع إحدى رجليه ويضعها على الأخرى مستريحا من الإعياء، ثم انصرف الشيخ، وأقبل أبو نواس فجلس في مكانه، فقال له بعض من بالحضرة: من هذا الشيخ الذي رأيتك تعظمه هذا الإعظام، وتجله هذا الإجلال؟ فقال: هذا إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية، فقال له السائل: لم أجللته هذا الإجلال؟ وساعة منك عند الناس أكثر منه، قال: ويحك لا تفعل، فوالله ما رأيته قط إلا توهمت أنه سماويٌّ وأنا أَرْضِيٌّ.
أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباسي، قال: أخبرنا علي بن الحسن الرازي، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن معاوية المهلبي، قال: حدثني أبو تمام، قال: يكتب من شعر أبي العتاهية خمسة أبيات، فإن أحدا لم يشركه فيها ولا تهيأ لاحد مثلها قوله:
الناس في غفلاتهم ورحى المنية تطحن
والذي قال في أحمد بن يوسف:
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر
وقوله في موسى أمير المؤمنين:
ولما استقلوا بأثقالهم وقد أزمعوا بالذي أزمعوا
قرنت التفاتي بآثارهم وأتبعتهم مقلة تدمع
وقوله:
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى زوال
أخبرني علي بن أيوب القمي، قال: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، عن محمد بن يزيد النحوي، قال: لا أعلم شيئا من غزل أبي العتاهية، ومديحه يخلو من صنعة، وربما كانت من القصيدة في موضعين، فمن شعره الذي كان يستطرف قوله:
آه من غمي وكربي آه من شدة حبي
ما أشد الحب يا سبحانك اللهم ربي
ولقد قلت وجمر الحب قد أقرح قلبي
يا بلائي من غزال قد سبا قلبي ولبي
لم أنل منه نوالا غير أن كدر شربي
أنت ممن خلق الرحمن من ذا الخلق حسبي
قال: ومن مليح أشعاره قوله:
من لم يذق لصبابة طعما فلقد أحطت بطعمها علما
إني منحت مودتي سكنى فرأيته قد عدها جرما
يا عتب ما أنا عن صنيعك بي أعمى ولكن الهوى أعمى
والله ما أبقيت من جسدي لحما ولا أبقيت لي عظما
إن الذي لم يدر ما كلفي ليرى على وجهي به وَسْمَا
قال: ومن شعره المختار قوله:
يا عتب هجرك مورثي الأدواء والهجر ليس لودنا بجزاء
يا صاحبي لقد لقيت من الهوى جهدا وكل مذلة وعناء
علق الفؤاد بحبها من شقوتي والحب داعية لكل بلاء
إني لأرجوها وأحذرها فقد أصبحت بين مخافة ورجاء
بخلت على بودها وصفائها ومنحتها ودي ومحض صفائي
فتخالف الأهواء فيما بيننا والموت عند تخالف الأهواء
أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: أخبرنا محمد بن العباس بن محمد الخزاز، قال: حدثنا محمد بن المرزبان، قال: أخبرني عبد الله بن محمد، قال: أخبرني الحسين بن عبد الرحمن، قال: قال الرشيد لأبي العتاهية: الناس يزعمون أنك زنديق؟ فقال: يا سيدي كيف أكون زنديقا وأنا القائل:
أيا عجبي كيف يعصي الإله أم كيف يجحده جاحد؟
ولله في كل تحريكة وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا محمد بن عمران بن موسى الكاتب، قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي، قال: حدثني أبو الفضل ميمون بن هارون، قال: حدثني العبر، قال: جلس منصور بن عمار بعض مجالسه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إني أشهدكم أن أبا العتاهية زنديق، فبلغ ذلك أبا العتاهية فكتب إليه:
إن يوم الحساب يوم عسير ليس للظالمين فيه نصير
فاتخذ عدة لمطلع القبر وهول الصراط يا منصور
ووجه بها أبو العتاهية إلى منصور، فندم على قوله وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أشهدكم أن أبا العتاهية قد اعترف بالموت والبعث، ومن اعترف بذلك فقد برئ مما قذف به.
أخبرني علي بن أيوب القمي، قال: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني محمد بن موسى البربري، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الهاشمي، عن أبي شعيب أحمد بن يزيد صاحب ابن أبي دؤاد، قال: قلت لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق، حدثني بقصتك مع عتبة؟ فقال لي: أحدثك، قدمنا من الكوفة ثلاثة فتيان شبابا أدباء وليس لنا ببغداد من نقصده، فنزلنا غرفة بالقرب من الجسر، فكنا نبكر فنجلس في المسجد الذي بباب الجسر في كل غداة، فمرت بنا يوما امرأة راكبة معها خدم سودان، فقلنا من هذه؟ قالوا: خالصة، فقال أحدنا: قد عشقت خالصة وعمل فيها شعرا فأعناه عليه، ثم لم نلبث أن مرت أخرى راكبة معها خدم بيضان، فقلنا من هذه؟ فقالوا: عتبة، فقلت: قد عشقت عتبة، فلم نزل كذلك في كل يوم إلى أن التأمت لنا أشعار كثير، فدفع صاحبي شعره إلى خالصة، ودفعت أنا شعري إلى عتبة، وألححنا إلحاحا شديدا، فمرة تقبل أشعارنا، ومرة نطرد إلى أن جدوا في طردنا، فجلست عتبة يوما في أصحاب الجوهر، ومضيت فلبست ثياب راهب، ودفعت ثيابي إلى إنسان كان معي، وسألت عن رجل كبير من أهل السوق، فدللت على شيخ صائغ فجئت إليه، فقلت: إني قد رغبت في الإسلام على يدي هذه المرأة، فقام معي وجمع جماعة من أهل السوق وجاءها، فقال: إن الله قد ساق إليك أجرا، هذا راهب قد رغب في الإسلام على يديك، قالت: هاتوه فدنوت منها، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وقطعت الزنار ودنوت، فقبلت يدها فلما فعلت ذلك رفعت البرنس فعرفتني، فقالت: نَحُّوه لعنه الله، فقالوا: لا تلعنيه فقد أسلم، فقالت: إنما فعلت ذلك لقذره، فعرضوا عليّ كسوة، فقلت: ليس بي حاجة إلى هذه، وإنما أردت أن أشرف بولائها، فالحمد لله الذي مَنَّ عليّ بحضوركم وجلست، فجعلوا يعلمونني الحمد وصليت معهم العصر، وأنا في ذاك بين يديها أنظر إليها لا تقدر لي على حيلة، فلما انصرفت لقيت خالصة فشكت إليها، فقالت: ليس يخلو هذان من أن يكونا عاشقين أو مستأكلين، فصح عزمهما على امتحاننا بمال على أن ندع التعرض لهما، فإن قبلنا المال فنحن مستأكلان، وإن لم نقبله فنحن عاشقان، فلما كان الغد مرت خالصة فعرض لها صاحبها، فقال له الخدم: اتبعنا فاتبعهم، ثم لم نلبث أن مرت عتبة، فقال لي الخدم: اتبعنا فاتبعتهم، فمضت بي إلى منزل خليط لها بزاز، فلما جلست دعت بي، فقالت لي: يا هذا إنك شاب وأرى لك أدبا وأنا حرمة خليفة، وقد تأنيتك فإن أنت كففت والا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين، ثم لم آمن عليك، قلت: فافعلي بأبي أنت وأمي، فإنك إن سفكت دمى أرحتني فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذ لم يكن لي فيك نصيب، فإما الحبس والحياة لا أراك فأنت في حرج من ذاك، فقالت: لا تفعل يا هذا، وأبق على نفسك، وخذ هذه الخمس المائة الدينار، واخرج عن هذا البلد، فلما سمعت ذكر المال وليت هاربا، فقالت: ردوه، فلم تزل تردني، فقلت: جعلت فداك، ما أصنع بعرض من الدنيا وأنا لا أراك وإنك لتبطئين يوما واحدا عن الركوب فتضيق بي الأرض بما رحبت، وهي تأبَى إلا ذكر المال حتى جعلت لي ألف دينار، فأبيت وجاذبتها مجاذبة شديدة، وقلت: لو أعطيتني جميع ما يحويه الخليفة ما كانت لي فيه حاجة وأنا لا أراك بعد أن أجد السبيل إلى رؤيتك وخرجت فجئت الغرفة التي كنا ننزلها، فإذا صاحبي مورم الأذنين، وقد امتحن بمثل محنتي، فلما مد يده إلى المال صفعوه، وحلفت خالصة لئن رأته بعد ذلك لتودعنه الحبس، فاستشارني في المقام، فقلت: اخرج وإياك أن تقدر عليك، ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر، وأحمدتني عتبة وصح عندها أني محب محق، فلما كان بعد أيام دعتني عتبة، فقالت: بحياتي عليك، إن كنت تعزها إلا أخذت ما يعطيك الخادم فأصلحت به من شأنك، فقد غمني سوء حالك فامتنعت، فقالت: ليس هذا مما تظن، ولكني لا أحب أن أراك في هذا الزي، فقلت: لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذلك، فأقسمت علي فأخذت الصرة، فإذا فيها ثلاث مائة دينار، فاكتسيت كسوة حسنة واشتريت حمارا.
أخبرنا أبو حنيفة عبد الوهاب بن علي بن الحسن المؤدب، قال: حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا عتاهية بن أبي عتاهية، قال: أقبل أبي يمدح المهدي ويجتهد في الوصول إليه، فلما تطاولت أيامه أحب أن يشهر نفسه بأمر يصل به إليه، فلما بصر بعتبة راكبة في جمع من الخدم تتصرف في حوائج الخلافة تعرض لها وأمل أن يكون تولعه بها هو السبب الموصل له إلى حاجته، وانهمك في التشبيب والتعرض في كل مكان لها، والتفرد بذكرها وإظهار شدة عشقها، وكان أول شعر قاله فيها:
راعني يا زيد صوت الغراب لحذاري للبين من أحبابي
يا بلائي ويا تقلقل أحشائي ونفسي لطائر نعاب
أفصح البين بالنعيب وما أفصح لي في نعيبه بالإياب
فاستهلت مدامعي جزعا منه بدمع ينهل بالتسكاب
ومنعت الرقاد حتى كأني أرمد العين أو كحلت بصاب
قلت للقلب إذ طوى وصل سعدى لهواه البعيد بالأنساب
أنت مثل الذي يفر من القطر حذار الندى إلى الميزاب
وهي قصيدة طويلة وقال في عتبة:
ولقد طربت إليك حتى صرت من ألم التصابي
يجد الجليس إذا دنا ريح الصبابة من ثيابي
وقال فيها أيضا:
وإني لمعذور على طول حبها لأن لها وجها يدل على عذري
إذا ما بدت والبدر ليلة تمه رأيت لها فضلا مبينا على البدر
وتهتز من تحت الثياب كأنها قضيب من الريحان في ورق خضر
أبَى الله إلا أن أموت صبابة بساحرة العينين طيبة النشر
وتبسم عن ثغر نقي كأنه من اللؤلؤ المكنون في صدف البحر
يخبرني عنه السواك بطيبه ولست به لولا السواك بذي خبر
أخبرني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، قال: أخبرنا المعافى بن زكريا، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الطبري، قال: حدثني علي بن محمد بن أبي عمرو البكري، من بكر بن وائل، قال: حدثني علي بن عثمان، قال: حدثني أشجع السلمي، قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار فسكت المهدي وسكت الناس، فسمع بشار حسا، فقال لي: يا أشجع من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية، قال: فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟! فقلت: أحسب سيفعل، قال: فأمره المهدي أن ينشد فأنشده: ألا ما لسيدتي ما لها قال: فنخسني بمرفقه، ثم قال لي: ويحك، رأيت أجسر من هذا ينشد مثل هذا الشعر في هذا الموضع؟ حتى بلغ إلى هذا الموضع:
أتته الخلافة منقادة إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات النفوس لما قبل الله أعمالها
قال: فقال بشار: انظر ويحك يا أشجع، هل طار الخليفة عن فرشه، قال: لا، والله ما انصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية.
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل، قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل، قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: قال لي أبو عبد الله محمد بن القاسم قال: أخبرنا العتبي، قال: رؤي مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر، كئيبا آسفا، ينكت بسوطه في معرفة دابته، فقيل له: يا أبا السمط ما الذي نراه بك؟ قال: أخبركم بالعجب مدحت أمير المؤمنين، فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها، ووصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا ورملة رملة، حتى إذا أشفيت منه على غناء الدهر، جاء ابن بياعة الفخاخير، يعنى أبا العتاهية، فأنشده بيتين فضعضع بهما شعري، وسواه في الجائزة بي، فقيل له: وما البيتان؟ فأنشد:
إن المطايا تشتكيك لأنها تطوي إليك سباسبا ورمالا
فإذا رحلن بنا رحلن مخفة وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
أخبرنا أبو حنيفة المؤدب، قال: حدثنا المعافى بن زكريا، قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا عسل بن ذكوان، قال: أخبرنا دماذ، عن حماد بن شقيق، قال: قال أبو سلمة الغنوي، قلت لأبي العتاهية: ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ قال: إذًا والله أخبرك، إني لما قلت:
الله بيني وبين مولاتي أهدت لي الصد والملالات
منحتها مهجتي وخالصتي فكان هجرانها مكافاتي
هيمني حبها وصيرني أحدوثة في جميع جاراتي
رأيت في المنام في تلك الليلة كأن آتيا أتاني، فقال: ما أصبت أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى، فانتبهت مذعورا، وتبت إلى الله من ساعتي من قول الغزل.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد بن عمر الطوماري، قال: حدثنا أبو العباس المبرد، عن الرياشي، قال: أقبل أبو العتاهية ومعه سلة محاجم فجلس إلينا، وقال: لست أبرح أو تأتوني بمن أحجمه، فجئنا ببعض عبيدنا فحجمه، ثم أنشأ يقول:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والعدم
وليس على عبد تقى نقيصة إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثت عن يحيى بن معين، قال: سمعت أبا العتاهية ينشد:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
، وذكر البيت الثاني مثل ما تقدم.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيش، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق الوراق، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الكوفي، قال: حدثنا ابن أبي شيخ، قال: بكرت إلى سكة ابن نيبخت في حاجة، فرأيت أبا نواس في السكة فجلست إليه، فمر بنا أبو العتاهية على حمار فسلم ثم أومأ برأسه إلى أبي نواس، وأنشأ يقول:
لا ترقدن لعينك السهر وانظر إلى ما تصنع الغير
انظر إلى غير مصرفة إن كان ينفع عينك النظر
وإذا سألت فلم تجد أحدا فسل الزمان فعنده الخبر
أنت الذي لا شيء تملكه وأحق منك بمالك القدر
قال: فنظر لي أبو نواس، ثم قال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ}.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثنا أحمد بن علي بن مرزوق، قال: دخلت على أبي العتاهية في مرضه الذي مات فيه، وكان له صديقا، وكان أبو العتاهية قد أغمض عينيه، قال: فقالوا لي: كلمه، فقلت: أبا إسحاق، فلما سمع صوتي فتح عينيه، فقلت له: أعزز على العلماء بمصرعك، قال: فقال لي أبو العتاهية:
ستمضي مع الأيام كل مصيبة وتحدث أحداثا تنسى المصائبا
، ثم أغمض عينيه وخفت.
قال ابن البراء: وأنشدني لأبي العتاهية وهو يكيد بنفسه:
يا نفس قد مثلت حالي هذه لك منذ حين
وشككت أني ناصح لك فاستملت إلى الظنون
فتأملي ضعف الحراك وكله بعد السكون
وتيقني أن الذي بك من علامات المنون
أخبرنا إبراهيم بن مخلد إجازة، قال: أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي، قال: أخبرنا الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: سنة إحدى عشرة ومائتين فيها مات أبو العتاهية الشاعر يوم الاثنين لثمان ليال خلون من جمادى الآخرة.
قرأت على الحسن بن أبي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي، قال: مات أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان الجرار، مولى عنزة، فيما ذكر سنة ثلاث عشرة ومائتين ببغداد.
قلت: ذكر محمد بن أبي العتاهية أن أبا العتاهية ولد في سنة ثلاثين ومائة، وأنه مات ببغداد، وقبره على نهر عيسى قبالة قنطرة الزياتين.
حدثني عبد العزيز بن علي الوراق، قال: سمعت عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ، يقول: سمعت محمد بن مخلد العطار، يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم البغوي، يقول: قرأت على قبر أبي العتاهية:
أذن حي تسمعي اسمعي ثم عي وعي
أنا رهن بمضجعي فاحذري مثل مصرعي
عشت تسعين حجة ثم فارقت مجمعي
ليس زاد سوى التقى فخذي منه أو دعي

نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 7  صفحه : 226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست