responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 5  صفحه : 233
2094 - أَحْمَد بْن دَاوُد بْن أَبِي نصر أَبُو بَكْر القومسي وهو أخو مُحَمَّد سكن بغداد، وَحَدَّثَ بها عَنْ هدبة بْن خَالِد وشيبان بْن فروخ، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر الخطابي، وأبي بَكْر بْن أَبِي شيبه، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الكهيلي، وهشام بْن عمار، وعبد الرَّحْمَن بْن إِبْرَاهِيم دحيم، ومحمد بْن مصفى، وحرملة بْن يَحْيَى، ومحمد بْن حميد الرَّازِيّ، رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عمرو بْن مُوسَى العقيلي، وَأَبُو الْعَبَّاس بْن عقدة.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَبِي عَلِيّ، قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون عَنِ ابن سَعِيد، قَالَ: أَحْمَد بْن دَاوُد بْن أَبِي نصر القومسي صاحب حديث فهم.
سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان يثنى عَلَيْهِ وعلى أخيه، توفي سنة خمس وتسعين ومائتين.

2095 - أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد بْن حريز أَبُو عَبْد اللَّه الْقَاضِي الإيادي
يقال إن اسم أَبِي دؤاد الفرج، كذلك أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن ابْن عَلِيّ الصَّيْمري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّه مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفه النحوي، قَالَ: اسم أَبِي دؤاد فرج.
وقرأت بخط مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن زياد أَبُو عَبْد اللَّه الزيادي، وزعم لي أن أباه كَانَ منقطعا إِلَى بْن أَبِي دؤاد، قَالَ: اسم أَبِي دؤاد: دُعْمَى.
وقرأت فِي كتاب طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر الشاهد بخطه، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الْقَاضِي، عَنْ وكيع، عَنْ حريز، يَعْنِي: ابْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد، قَالَ: قَالَ المأمون لأبي: ما اسم أبيك؟ قَالَ: هو اسمه يَعْنِي الكنية، قَالَ طلحة: والصحيح أن اسمه كنيته، كذلك أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي دؤاد بْن أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد، أن اسمه كنيته.
قلت: وقد سقنا نسبه فِي أخبار ابنه أَبِي الوليد.
ولي ابْن أَبِي دؤاد قضاء القضاة للمعتصم، ثم للواثق، وَكَانَ موصوفا بالجود والسخاء، وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الدارقطني، قَالَ: أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد قاضى القضاة للمعتصم والواثق هو الَّذِي كَانَ يمتحن العلماء فِي أيامه ويدعوهم إِلَى خلق القرآن.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: كَانَ يقال أكرم من كَانَ فِي دولة بني الْعَبَّاس البرامكة، ثم ابْن أَبِي دؤاد، لولا ما وضع بِهِ نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عَلَيْهِ، ولم يضف إلي كرمه كرم أحد.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فهم، قَالَ: سَمِعْتُ ابْن النطاح، يَقُولُ: أَحْمَد بْن دَاوُد من قبيلة يقال لهم: بنو زهر، إخوة قوم يعرفون بحذاق، وسمعت ذلك من أَبِي اليقظان.
قَالَ الصولي: وذكر أَبُو تمام الطائي هَذَا فِي خطابه لابن أَبِي دؤاد، فَقَالَ:
فالغيث من زهر سحابة رأفة والركن من شيبان طود حديد
لأن ابْن أَبِي دؤاد كَانَ غضب عَلَيْهِ، فشفع فيه خَالِد بْن يَزِيد الشيباني، فلذلك قَالَ: والركن من شيبان.
وَقَالَ الصولي حَدَّثَنَا أَبُو العيناء، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد، يَقُولُ: ولدت سنة ستين ومائة بالبصرة، قَالَ: وَكَانَ أسن من يَحْيَى بْن أكثم بنحو من عشرين سنة.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد النحوي، قَالَ: قَالَ أَبُو الهذيل: دخلت على ابْن أَبِي دؤاد وَابْن أَبِي حفصة ينشده:
فقل للفاخرين على نزار ومنها خندف وبنو إياد
رسول اللَّه والخلفاء منا ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد
فَقَالَ لي أَبُو عَبْد اللَّه: كيف تسمع يا أَبَا الهذيل؟ فقلت: هَذَا يضع الهناء مواضع النقب.
وَقَالَ المرزباني: أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن يَحْيَى، قَالَ: قَالَ أَبُو هِفَّان: لما قَالَ مروان بْن أَبِي الجنوب فِي ابْن أَبِي دؤاد:
رسول اللَّه والخلفاء منا ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد
قلت: أنقض عَلَيْهِ:
فقل للفاخرين على نزار وهم فِي الأرض سادات العباد
رسول اللَّه والخلفاء منا ونبرأ من دَعِي بني إياد
وما منا إياد إذ أقرت بدعوة أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد
قَالَ: فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: ما بلغ مني أحد ما بلغ هَذَا الغلام المهزمي! لولا أني أكره أن أنبه عَلَيْهِ لعاقبته عقابا لم يُعاقب أحد مثله، جاء إِلَى منقبة كانت لي فَنَقَضَهَا عروة عروة.
حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَحْمَدَ الْوَاعِظ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنِي حريز بْن أَحْمَدَ أَبُو مالك، قَالَ: كَانَ أَبِي إذا صلى رفع يده إِلَى السماء وخاطب ربه، وأنشأ يَقُولُ:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الحنفي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران بْن مُوسَى الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنِي الحكيمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العيناء، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد شاعرا مجيدا، فصيحا بليغا.
قَالَ مُحَمَّد بْن عمران: وقد ذكره دعبل بْن عَلِيّ الخزاعي فِي كتابه الَّذِي جمع فيه أسماء الشعراء، وروى لَهُ أبياتا حسانا.
وَأَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العيناء، قَالَ: لما قدم بأبي عُثْمَان المازني من البصرة إِلَى سر من رأى، قَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: يا أَبَا عُثْمَان، حَدَّثَنِي عَنِ البصرة، فَقَالَ لَهُ: أَبُو عُثْمَان: عَنْ أيها؟ قَالَ: من فيضها إِلَى صحرائها، قَالَ أَبُو العيناء: وما رأيت رئيسا قط أفصح ولا أنطق من ابْن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْفَضْل القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش، أن مُحَمَّد بْن نوكرد أخبرهم بمرو، قَالَ: لم يكن لقاضي القضاة أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد أخ من الإخوان إلا بنى لَهُ دارا على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبدا، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها لَهُ.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصولي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيد بْن حميد، قَالَ: دخل أَبُو تمام الطائي على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد، فَقَالَ لَهُ: أحسبك عاتبا يا أَبَا تمام؟ قَالَ: إنما يعتب على واحد وأنت الناس جميعا، فكيف يعتب عليك؟ فَقَالَ: من أين هَذِهِ يا أَبَا تمام؟ قَالَ: من قول الحاذق، يَعْنِي أَبَا نواس فِي الْفَضْل بْن الربيع:
وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم فِي واحد
أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن أَيُّوب القمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمران الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: دخل أَبُو تمام عَلى أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وقد شرب الدواء فأنشده:
أعقبك اللَّه صحة البدن ما هتف الهاتفات فِي الغصن
كيف وجدت الدواء أوجدك اللَّه شفاء بِهِ مدى الزمن
لا نزع اللَّه عنك صالحة أبليتها من بلائك الْحَسَن
لا زلت تزهى بكل عافية تَجْتَنُّها من معارض الفتن
إن بقاء الجواد أَحْمَد فِي أعناقنا منة من المنن
لو أن أعمارنا تطاوعنا شاطره العمر سادة اليمن
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الحنفي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الخراساني، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ الرَّازِيّ، قَالَ: رأيت أَبَا تمام عند ابْن أَبِي دؤاد ومعه رجل ينشد عَنْهُ:
لقد أنست مساوئ كل دهر محاسن أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد
فما سافرت فِي الآفاق إلا ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظن عندك والأماني وإن قلقت ركابي فِي البلاد
فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: هَذَا المعنى تفردت بِهِ أو أخذته؟ قَالَ: هو لي وقد ألممت فيه بقول أَبِي نواس:
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة لغيرك إنسانا فأنت الَّذِي نعني
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: من مختار مدائح أَبِي تمام لأحمد بْن أَبِي دؤاد قوله:
أأحمد إن الحاسدين كثير وما لك إن عد الكرام نظير
حللت محلا فاضلا متقادما من المجد والفخر القديم فخور
فكل غني أو فقير فإنه إليك وإن نال السماء فقير
إليك تناهى المجد من كل وجهة يصير فما يعدوك حيث يصير
وبدر إياد أنت لا ينكرونه كذاك إياد للأنام بدور
تجنبت أن تدعى الأمير تواضعا وأنت لمن يدعى الأمير أمير
فما من ندى إلا إليك محله ولا رفعة إلا إليك تشير
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن النقاش أن مسبح بْن حاتم أخبرهم، قَالَ: لقيني قاضى القضاة أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد، فَقَالَ بعد أن سلَّم عَلِيّ: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت لَهُ: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني، فَقَالَ لي: صدقت، وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو خليفة الْفَضْل بْن الحباب، قَالَ: كَانَ فِي جوارنا رجل حذاء، فاحتاج فِي أمر لَهُ أن يتظلم أيام الواثق، فشخص إلي سر من رأى ثم عاد، فحدثنا أنه رفع قصة إِلَى الواثق، فأمر برد أمره إِلَى ابْن أَبِي دؤاد وأمر جماعة المتظلمين قَالَ فحضرت فنظر فِي أمور الناس فتشوفت لينظر فِي أمري، ورقعتي بين يديه، فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحد فدعاني، فَقَالَ: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر الْقَاضِي أعزه اللَّه، قَالَ: ولكني أعرفك، مضيت يوما فِي الكلأ فانقطعت نعلي، وأعطيتني شسعا لها، فقلت لك: إني أجبك فوات ذلك، فتكرهت قولي، وقلت: وما مقدار ما فعلت؟ امض فِي حفظ اللَّه، والله لأصلحن زمانك كَمَا أصحلت نعلي، ثم وقَّع لي فِي ظلامتي، ووهب لي خمس مائة دينار، وَقَالَ: زرني فِي كل وقت، قَالَ: فرأيناه متسع الحال بعد أن رأيناه مضيقا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن صاحب العباسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مالك حريز بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دَؤاد، قَالَ: قَالَ الواثق يوما لأبي، تضجرا بكثرة حوائجه: يا أَحْمَد، قد اختلت بيوت الأموال بطلبائك اللائذين بك، والمتوسلين إليك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك، فَقَالَ: يا أَبَا عَبْد اللَّه، والله لا منعناك ما يَزِيد فِي عشقك، ويقوى من همتك، فتناولنا بما أحببت.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الحنفي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بْن أَبِي أسامة، قَالَ: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابْن أَبِي دؤاد فدفعها إليهم، فكلمه نظراؤهم، ففرق فيهم عشرة آلاف درهم والعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فَقَالَ لَهُ: يا أَبَا عَبْد اللَّه، مالُنا أكثر من مالك، فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فَقَالَ: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك، وأجهد فِي عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملكتنيه، على أهلك الَّذِينَ يكثرون الشكر ويتضاعف فيهم الأجر؟ قَالَ: فوصله بمائة ألف درهم، ففرق جميعها فِي بني هاشم.
أَخْبَرَنِي الصيمري، حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن يَحْيَى الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عمرو الرومي، قَالَ: ما رأيت قط أجمع رأيا من ابْن أَبِي دؤاد ولا أحضر حجة، قَالَ لَهُ الواثق: يا أَبَا عَبْد اللَّه، رفعت إلي رقعة وفيها كذب كثير، قَالَ: ليس بعجب أن أُحسد على منزلتي من أمير المؤمنين فيُكذب عَلَيَّ، قَالَ: زعموا فيها إنك وليت القضاء رجلا ضريرا؟ قَالَ: قد كَانَ ذاك وأمرته أن يستخلف، وكنت عازما على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم فحفظت ذلك لَهُ، وفيها أنك أعطيت شاعرا ألف دينار، يعني أَبَا التمام الطائي، قَالَ: ما كَانَ ذلك، ولكني أعطيته دونها وقد أثاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بْن زهير الشاعر، وَقَالَ فِي آخر: " أقطع عنى لسانه ".
وهذا شاعر طائي مداح لأمير المؤمنين، مصيب محسن، لو لم أرع لَهُ إلا قوله للمعتصم صلوات اللَّه عَلَيْهِ فِي أمير المؤمنين أعزه اللَّه:
واشدد بهارون الخلافة إنه سكن لوحشتها ودار قرار
فلقد علمت بأن ذلك معصم ما كنت تتركه بغير سوار
قَالَ: فوصل أَبَا تمام بخمس مائة دينار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَدَ الأهوازي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد العسكري، عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: قَالَ أَبُو تمام حَبِيب بْن أوس:
أيسلبني ثراء المال ربي وأطلب ذاك من كف جماد
زعمت إذا بأن الجود أمسى لَهُ رب سوى ابْن أَبِي دؤاد
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن النقاش، أن أَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلبا أخبرهم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الأعرابي، قَالَ: سأل رجل قاضى القضاة أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد أن يحمله على عير، فَقَالَ: يا غلام، أعطه عيرا، وبغلا وبرذونا وفرسا وجارية، ثم قَالَ: أما والله لو عرفت مركوبا غير هَذَا لأعطيتك، فشكر لَهُ الرجل، وقاد ذلك كله ومضى.
أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن أَيُّوب القمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العيناء، يَقُولُ: ما رأيت فِي الدنيا أحدا أحرص على أدب من ابْن أَبِي دؤاد، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوما قط، فَقَالَ: يا غلام، خذ بيده، بل كَانَ يَقُولُ: يا غلام، اخرج معه، وكنت افتقد هَذِهِ الكلمة عَلَيْهِ فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن حامد الأديب، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الموصلي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عليل، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن السري الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الزيات، قَالَ: كَانَ رجل من ولد عُمَر بْن الْخَطَّاب لا يلقى ابْن أَبِي دؤاد فِي محلف ولا وحده إلا لعنه ودعا عَلَيْهِ، وابن أَبِي دؤاد لا يرد عَلَيْهِ شيئا، قَالَ مُحَمَّد: فعرضت لذلك الرجل حاجة إِلَى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه، فمطلته واتقيت ابْن أَبِي دؤاد فلما ألح عَلِيّ عزمت على أن أوصل قصته إليه وتذمَّمت من مطلي، فدخلت ذات يوم على أمير المؤمنين وقصته معي، واغتنمت غيبة ابْن أَبِي دؤاد فرفعت قصته إليه فهو يقرأها إذ دخل ابْن أَبِي دؤاد والقصة فِي يد أمير المؤمنين يقرأها، فلما قرأها دفعها إِلَى ابْن أَبِي دؤاد، فلما نظر إليها واسم الرجل فِي أولها، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عُمَر بْن الْخَطَّاب، ينبغي أن تقضى لولده كل حاجة لَهُ، فوقع لَهُ أمير المؤمنين بقضاء الحاجة، قَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة، وقلت: تشكر لأبي عَبْد اللَّه الْقَاضِي فهو الَّذِي اعتنق قصتك، وسأل أمير المؤمنين فِي قضاء حاجتك، قَالَ: فوقف ذلك الرجل حتى خرج ابْن أَبِي دؤاد فجعل يدعو لَهُ ويتشكر لَهُ، فَقَالَ لَهُ: اذهب عافاك اللَّه، فإني إنما فعلت ذلك لعمر بْن الْخَطَّاب لا لك. أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ عون بْن مُحَمَّد الكندي، يَقُولُ: لعهدي بالكرخ بِبَغْدَادَ وأن رجلا لو قَالَ: ابن أَبِي دؤاد مُسْلِم لقتل فِي مكانه، ثم وقع الحريق فِي الكرخ وهو الَّذِي ما كَانَ مثله قط، كَانَ الرجل يقوم فِي صينية شارع الكرخ فيرى السفن فِي دجلة، فكلم ابْن أَبِي دؤاد المعتصم فِي الناس، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رعيتك فِي بلد آبائك ودار ملكهم، نزل بهم هَذَا الأمر فاعطف عَلَيْهِمْ بشيء يُفرَّق فيهم يمسك أرماقهم، ويبنون بِهِ ما انهدم عَلَيْهِمْ، ويصلحون بِهِ أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق لهم خمسة آلاف ألف درهم، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إن فرقها عَلَيْهِمْ غيرى خفت أن لا يقسم بالسوية، فائذن لي فِي تولى أمرها ليكون الأجر أوفر والثناء أكثر، قَالَ: ذلك إليك فقسمها على مقادير الناس، وما ذهب منهم بنهاية ما يقدر عَلَيْهِ من الاحتياط، واحتاج إِلَى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم من ماله فِي ذلك غرما كثيرا، فكانت هَذِهِ من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها، قَالَ عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وأن إنسانا لو قَالَ: زر ابْن أَبِي دؤاد وسخ؛ لقتل وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى حَدَّثَنِي حريز بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الإسكافي، قَالَ: اعتل أبوك فعاده المعتصم وَكَانَ معه بغا، وكتب معه، لأني كنت أكتب لبغا، فقام فتلقاه، وَقَالَ لَهُ: شفاني اللَّه بالنظر إِلَى أمير المؤمنين، فدعا لَهُ بالعافيه، فَقَالَ لَهُ: قد تمم اللَّه شفائي ومحق دائي بدعاء أمير المؤمنين، فَقَالَ لَهُ المعتصم: إني نذرت أن عافاك اللَّه أن أتصدق بعشرة آلاف دينار، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا، فَقَالَ: نويت أن أتصدق بها هاهنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فَقَالَ لَهُ: أمتع اللَّه الإسلام وأهله ببقائك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فإنك كَمَا قَالَ النمري لأبيك الرشيد
إن المكارم والمعروف أودية أحلك اللَّه منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين اللَّه معتصما فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم فِي ذلك، لأنه عاده وليس يعود إخوته وأجلاء أهله، فَقَالَ المعتصم: لا أعود رجلا ما وقعت عيني عَلَيْهِ قط إلا ساق إلي أجرا أو أوجب لي شكرا أو أفادني فائدة تنفعني فِي ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْن زَكَرِيَّا الجريري، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن أبان النخعي، قَالَ: أنشدني منشد لمروان بْن أَبِي حفصة فِي ابْن أَبِي دؤاد لما نالته العلة الباردة:
لسان أَحْمَد سيف مسه طبع من علة فجلاها عَنْهُ جاليها
ما ضر أَحْمَد باقي علة درست والله يذهب عَنْهُ رسم باقيها
مُوسَى بْن عمران لم ينقص نبوته ضعف اللسان بِهِ قد كَانَ يمضيها
قد كَانَ مُوسَى على علات منطقه رسائل اللَّه تأتيه يؤديها
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الحنفي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن خضر، قَالَ: كَانَ ابْن أَبِي دؤاد مألفا لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وَكَانَ قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم، فقالوا: يدفن من كَانَ على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا يتكلم فيه؟! إن هَذَا لوهن وتقصير، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر منهم، فَقَالَ أحدهم:
اليوم مات نظام الفهم واللسن ومات من كَانَ يُسْتَعْدَى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت شمس المعارف فِي غيم من الكفن
وتقدم الثاني، فَقَالَ:
ترك المنابر والسرير تواضعا وله منابر لويشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما تجبى إليه محامد وأجور
وقام الثالث، فَقَالَ:
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ولكنه ذاك الثناء المُخَلَّف
وليس صرير النعش ما يسمعونه ولكنها أصلاب قوم تقصف
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الصُّورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن جميع الغساني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو روق الهزاني، قَالَ: حكى لي ابْن ثعلبة الحنفي، عَنْ أَحْمَد بْن المعدل الفقيه المالكي أنه قَالَ: كتب ابْن أَبِي دؤاد إِلَى رجل من أهل المدينة يتوهم أنه عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن جعفر بْن مُحَمَّد: إن بايعت أمير المؤمنين فِي مقالته؛ استوجبت منه حسن المكافأة، وإن امتنعت لم تأمن مكروهه، فكتب إليه عصمنا اللَّه وإياك من الفتنة، فإنه أن يفعل فأعظم بها نعمة وإلا فهي الهلكة، نحن نرى الكلام فِي القرآن بدعة يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس لَهُ وتكلف المجيب ما ليس عَلَيْهِ، ولا يُعلم خالقا إلا اللَّه وما سواه مخلوق والقرآن كلام اللَّه، فانته بنفسك ومخالفتك إلي اسمه الَّذِي سمَّاه اللَّه بِهِ، وذر الَّذِينَ يلحدون فِي أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين، فلما وقف على جوابه أعرض عَنْهُ فلم يذكره أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفرج بْن عَلِيّ البزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن ماسي، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بْن شُعَيْب الشاشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يوسف الشاشي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مَنَّه، قَالَ: سَمِعْتُ طَاهِر بْن خلف، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الواثق الَّذِي يقال لَهُ المهتدى بالله، يَقُولُ: كَانَ أَبِي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مخضوب مقيد، فَقَالَ أَبِي: ائذنوا لأبي عَبْد اللَّه وأصحابه يَعْنِي: ابْن أَبِي دؤاد، قَالَ: فأدخل الشيخ فِي مصلاه، قَالَ: السلام عليك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ لا سلم اللَّه عليك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بئس ما أدبك مؤدبك، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها، فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الرجل متكلم.
فَقَالَ لَهُ كلمه، فَقَالَ: يا شيخ، ما تقول فِي القرآن، قَالَ الشيخ: لم تنصفني، يَعْنِي ولي السؤال، فَقَالَ لَهُ: سل، فَقَالَ لَهُ الشيخ: ما نقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه، فَقَالَ: شيء لم يعلموه، فَقَالَ سبحان اللَّه: شيء لم يعلمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أَبُو بَكْر، ولا عُمَر، ولا عُثْمَان، ولا عَلِيّ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت؟ قَالَ: فخجل، فَقَالَ: أقلني والمسألة بحالها، قَالَ: نعم، قَالَ: ما تقول فِي القرآن، فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم لم يعلموه؟ فَقَالَ: علموه، ولم يدعوا الناس إليه، قَالَ: أفلا وسعك ما وسعهم، قَالَ: ثم قام أَبِي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يَقُولُ: هَذَا شيء لم يعلمه النَّبِيّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أَبُو بَكْر، ولا عُمَر، ولا عُثْمَان، ولا عَلِيّ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت؟ سبحان اللَّه! شيء علمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه؟ أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عمارا الحاجب، فأمر أن يرفع عَنْهُ القيود ويعطيه أربع مائة دينار ويأذن لَهُ فِي الرجوع، وسقط من عينه ابْن أَبِي دؤاد.
ولم يمتحن بعد ذلك أحدا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن التنوخي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران بْن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان الأخفش، قَالَ: أنشدني أَبُو الْعَبَّاس ثعلب، قَالَ: أنشدني أَبُو الحجاج الأعرابي:
نكست الدين يا ابْن أَبِي دَؤاد فأصبح من أطاعك فِي ارتداد
زعمت كلام ربك كَانَ خلقا أما لك عند ربك من معاد؟
كلام اللَّه أنزله بعلم وأنزله على خير العباد
ومن أمسى ببابك مستضيفا كمن حل الفلاة بغير زاد
لقد أظرفت يا ابْن أَبِي دَاوُد بقولك إنني رجل إيادي
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّب طَاهِر بْن عَبْد اللَّه الطبري، قَالَ: أنشدنا الْمُعَافَى بْن زَكَرِيَّا الجريري، عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، لبعضهم يهجو أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد
لو كنت فِي الرأي منسوبا إِلَى رشد أو كَانَ عزمك عزما فيه توفيق
لكان فِي الفقه شغل لو قنعت بِهِ عَنْ أن تقول كتاب اللَّه مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم ما كَانَ فِي الفرع لولا الجهل والموق
حَدَّثَنَا أَبُو سعد الْحُسَيْن بْن عُثْمَان الشيرازي لفظا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَمْد بْن عَبْد اللَّه بالري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن مَنْصُور، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن ثواب، قَالَ: سألت أَحْمَد بْن حنبل عمن يَقُولُ القرآن مخلوق؟ قَالَ: كافر، قلت: فابن أَبِي دؤاد؟ قَالَ: كافر بالله العظيم، قلت: بماذا كفر؟ قَالَ: بكتاب اللَّه تعالى، قَالَ اللَّه تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}
فالقرآن من علم اللَّه، فمن زعم أن علم اللَّه مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن سُلَيْمَان الْمُقْرِئ، قَالَ: حَدَّثَنِي خالي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هارون بْن مُوسَى بْن زياد إملاء، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الورد، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى الجلا، أو عَلِيّ بْن الموفق، قَالَ: ناظرت قوما من الواقفة أيام المحنة، قَالَ: فنالوني بما أكره، فصرت إِلَى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إِلَيَّ امرأتي عشاء، فقلت لها: لست آكل، فرفعته ونمت، فرأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتين، يعني إحداهما فيها أَحْمَد بْن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابْن أَبِي دؤاد وأصحابه، فوقف بين الحلقتين وأشار بيده، فَقَالَ: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ}، وأشار إلي حلقة ابْن أَبِي دؤاد {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}، وأشار إلي الحلقة التي فيها أَحْمَد بْن حنبل.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بشران المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْخُتُلِّيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يوسف يَعْقُوب يَعْنِي: ابْن أخي معروف الكرخي، قَالَ: أَخْبَرَنِي من أثق بِهِ من إخواننا، قَالَ: رأيت فِي المنام، كَأنَّ أَبِي التقم أذني اليمني، فَقَالَ لي: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)}.
منهم ابْن أَبِي دؤاد {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
قَالَ إِسْحَاق وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه البراثي صديقنا وَكَانَ من الأبدال، قَالَ: رأيت قَبْلَ دخول الناس بغداد كَأنَّ قائلا يَقُولُ لي: ما علمت ما فعل اللَّه بابن أَبِي دؤاد؟ حبس لسانه فأخرسه، وجعله للناس آية.
قرأت على مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان، عَنْ دعلج بْن أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَد بْن عَلِيّ الأبار، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصباح، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِد بْن خداش، قَالَ: رأيت فِي المنام كَانَ آتيا أتاني بطبق، فَقَالَ: اقرأه فقرأت: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم، ابْن أَبِي دؤاد يريد أن يمتحن الناس فمن قَالَ القرآن كلام اللَّه كُسِي خاتما من ذهب فصه ياقوتة حمراء، وأدخله اللَّه الْجَنَّةَ وغَفَر لَهُ، أو قَالَ: غُفِرَ لَهُ، ومن قَالَ القرآن مخلوق؛ جعلت يمينه يمين قرد، فعاش بعد ذلك يوما أو يومين ثم يصير إِلَى النَّار، قَالَ خَالِد: ورأيت فِي المنام قائلا يَقُولُ: مُسِخَ ابْن أَبِي دؤاد، ومُسخ شُعَيْب وأصاب ابْن سماعة فالج، وأصاب آخر الذبحة، ولم يسم.
قلت: شُعَيْب هو ابْن سهل الْقَاضِي الْمَعْرُوف بشعبويه، وَكَانَ جهميا معلنا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن جعفر الإمام بأصبهان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن بندار المديني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الصايغ، قَالَ: هَذَا شعر قاله ابْن شراعة البصري فِي ابْن أَبِي دؤاد حين بلغه أنه فلج، فَقَالَ:
أفلت سعود نجومك ابْن أَبِي دؤاد وبدت نحوسك فِي جميع إياد
فرحت بمصرعك البرية كلها من كَانَ منها موقنا بمعاد
لم يبق منك سوى خيال لامع فوق الفراش ممهدا بوساد
وخبت لدى الخلفاء نار بعد ما قد كنت تقدحها بكل زناد
أطغاك يا ابْن أَبِي دؤاد ربنا فجزيت فِي ميدان أخوة عاد
لم تخش من رب السماء عقوبة فسننت كل ضلالة وفساد
كم من كريمة معشر أرملتها ومحدث أوثقت بالأقياد
كم من مساجد قد منعت قضاتها من أن يعدل شاهد برشاد
كم من مصابيح لها أطفأتها كيما تزل عَنِ الطريق الهادي
إن الأسارى فِي السجون تفرجوا لما أتتك مراكب العواد
وغدا لمصرعك الطبيب فلم يجد لعلاج ما بك حيلة المرتاد
لا زال فالجك الَّذِي بك دائما وفجعت قَبْلَ الموت بالأولاد
وَأَبَا الوليد رأيت فِي أكتافه سوط الخليفة من يدي خلاد
ورأيت رأسك فِي الجسور منوطا فوق الرءوس معلما بسواد
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن أَبِي الْقَاسِم، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن الْفَضْل، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْد العزيز بْن يَحْيَى المكي، يَقُولُ: دخلت على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائدا، ولكن جئت لأحمد اللَّه على أنه سجنك فِي جلدك.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْخُتُلِّيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يوسف يَعْقُوب بْن مُوسَى بْن الفيرزان ابْن أخي معروف الكرخي، قَالَ: رأيت فِي المنام كأني وأخا لي نمر على نهر عِيسَى على الشط وطرف عمامتي بيد أخي هَذَا، فبينا نحن نمشي إذا امرأة تقول لصديقي هَذَا: ما تدرى ما حدث الليلة؟ أهلك اللَّه ابْن أَبِي دؤاد، فقلت أنا لها وما كَانَ سبب هلاكه؟ قالت: أغضب اللَّه عَلَيْهِ، فغضب عَلَيْهِ اللَّه من فوق سبع سموات.
قَالَ إِسْحَاق وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنِي بعض أصحابنا، قَالَ: كنت عند سُفْيَان بْن وكيع، فَقَالَ: تدرون ما رأيت الليلة؟ وكانت الليلة التي رأوا فيها النَّار بِبَغْدَادَ وغيرها، رأيت كَانَ جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هَذَا الكلام، فقلت: ما هَذَا؟ قَالَ: أعدت لابن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الأَزْهَرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة الأزدي، قَالَ: سنة أربعين ومائتين فيها مات أَحْمَد بْن دؤاد.
أَخْبَرَنِي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا المغيرة بْن مُحَمَّد المهلبي، قَالَ: مات أَبُو الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد وهو وأبوه منكوبان فِي ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومائتين، ومات أبوه فِي المحرم سنة أربعين ومائتين يوم السبت لسبع بقين منه، فكان بينه وبين بنه أَبِي الوليد شهر أو نحوه.
قَالَ الصولي ودفن فِي داره بِبَغْدَادَ وصلى عَلَيْهِ ابنه الْعَبَّاس.

نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 5  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست