responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 11  صفحه : 244
5132 - عبد اللَّه أمير المؤمنين المنصور بن مُحَمَّد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا جعفر استخلف بعد أخيه السفاح، وكان المنصور حاجًا في وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يومًا وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور.
أَخْبَرَنَا عبد العزيز بن علي الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد المفيد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بشر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حماد الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: سمعت أبا جعفر مُحَمَّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الكاتب، قَالَ: بويع المنصور يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من ذي الحجة وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر، وأمه سلامة البربرية وقام ببيعته عمه عيسى بن علي، وأتت الخلافة أبا جعفر وهو بطريق مكة بِموضع يقال له الصفينة، فقَالَ: صفا أمرنا إن شاء اللَّه.
وقَالَ أبو بشر: قَالَ أبو موسى هارون بن مُحَمَّد بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن مُحَمَّد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس: حَدَّثَنِي عبد اللَّه بن عيسى الأموي، عن إِبْرَاهِيم بن المنذر الحزامي، قَالَ: مولد أَبِي جعفر المنصور بالحميمة في صفر سنة خمس وتسعين، وبويع له يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر.
وقَالَ أبو بشر: أَخْبَرَنِي طاهر بن يَحْيَى بن حسن الطالبي، عن علي بن حبيش المديني عن علي بن ميسرة الرازي، قَالَ: رأيت سنة خمس وعشرين أبا جعفر المنصور، بِمكة، فتى أسمر رقيق السمرة، موفر اللمة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف بين القنى، أعين كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعتق في صورته، واللب في مشيته.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو القاسم التنوخي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرحيم المازني، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سهل بن علي بن نوبخت، قَالَ: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهاية، وكان محبوسًا بسجن الأهواز، فقَالَ: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته، وجلالته، وسيماه، وحسن وجهه، وبيانه، ما لم أره لأحد قط، قال: فصرت من موضعي إليه، فقلت: يا سيدي ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد، فقَالَ: أجل يا مجوسي، قلت: فمن أي بلاد أنت؟ فقَالَ: من أهل المدينة، فقلت: أي مدينة؟ فقَال: من مدينة الرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة، قَالَ: لا، ولكني من عرب المدينة.
قَالَ: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته، فقَالَ: كنيتي أبو جعفر، فقلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع ما في هذه البلدة، حتى تملك فارس وخراسان والجبال، فقَالَ لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى.
فقَالَ: إن قضي شيء فسوف يكون، قَالَ: قلت: قد قضاه اللَّه من السماء فطب نفسًا، وطلبت دواة فوجدتها، فكتب لي: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، يا نوبخت إذا فتح اللَّه على المسلمين، وكفاهم مئونة الظالمين، ورد الحق إلى أهله، لم نغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا، وكتب أبو جعفر.
قَالَ نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فأخرجت الكتاب، فقَالَ أنا له ذاكر، ولك متوقع، فالحمد لله الذي صدق وعده، وحقق الظن، ورد الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت وكان منجمًا لأبي جعفر ومولى.
أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد، عن عبد اللَّه بن سلم، عن الربيع بن يونس الحاجب، قَالَ: سمعت المنصور، يَقُول: الخلفاء أربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى.
والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
أَخْبَرَنِي أبو الفضل مُحَمَّد بن عبد العزيز بن العباس بن المهدي الخطيب، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن مُحَمَّد بن القاسم المخزومي، قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بن موسى بن العباس بن مجاهد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بن القاسم أبو العيناء، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي، قَالَ: صعد أبو جعفر المنصور المنبر، فقَالَ: الحمد لله أَحْمَده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، فقام إليه رجل، فقَالَ: يا أمير المؤمنين أذكرك من أنت في ذكره.
فقَالَ أبو جعفر: مرحبًا مرحبًا، لقد ذكرت جليلًا، وخوفت عظيمًا، وأعوذ باللَّه أن أكون ممن إذا قيل له اتق اللَّه أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فأحلف باللَّه ما اللَّه أردت بها، وإنما أردت أن يقَالَ: قام فقَال فعوقب فصبر، فأهون بها من قائلها واهتبلها لله، ويلك إني غفرتها وإياكم معشر الناس وأمثالها، وأشهد أن مُحَمَّدا عبده ورسوله، فعاد إلى خطبته فكأنما يقرؤها من قرطاس.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين الجازري، قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي الأزهر البوشنجي، قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بن بكار، قَالَ: حَدَّثَنَا مبارك الطبري، قَالَ: سمعت أبا عبيد اللَّه، يَقُول: سمعت أمير المؤمنين المنصور، يَقُول: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلًا من ظلم من هو دونه.
حَدَّثَنِي الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن الْحَسَن، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو حاتم، عن الأصمعي، عن يونس، قَالَ: كتب زياد بن عبيد الله الحارثي، إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه وأرزاقه، وأبلغ في كتابه، فَوَقَّعَ الْمَنْصُورُ فِي الْقَصَّةِ: إِنَّ الْغِنَى وَالْبَلاغَةَ إِذَا اجْتَمَعَا فِي رَجُلٍ أَبْطَرَاهُ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ، فَاكْتَفِ بِالْبَلاغَةِ.
قرأت على عَليّ بن أبي عَليّ الْبَصْرِيّ، عن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الطبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بن علي الهجيمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو العيناء، قَالَ: دخل المنصور من باب الذهب، فإذا بثلاثة قناديل مصطفة، فقَالَ: ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافيًا، يقتصر من هذا على واحد، قَالَ: فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف بين أيديهم قبل أن يشبعوا، فقَالَ: يا غلام علي بالقهرمان، قَالَ: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، قَالَ: فقَال وأنت لا تفرق بين زيت يحترق في غير ذات اللَّه، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلًا، أبطحوه، قَالَ: فبطحوه فضربه سبع درر.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد، أخو الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بن عبد اللَّه الشطي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو إسحاق الهجيمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم أبو العيناء، قَالَ: قَالَ لي إِسْمَاعِيل بن بريهة، عن بعض أهله، عن الربيع الحاجب، قَالَ: لما مات المنصور، قَالَ لي المهدي: يا ربيع قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قَالَ: فدرنا فوقفنا على بيت فيه أربع مائة حب مطينة الرءوس، قَالَ: قلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة أعدها المنصور للحصار.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عمر بن روح النهراوني، وعلي بن مُحَمَّد بن عبد الواحد البلدي، ومُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الجازري، قَالَ أَحْمَد: أَخْبَرَنَا، وقَالَا: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا الجريري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن خضر، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دخل رجل على المنصور، فقَالَ:
أقول له حين واجهته عليك السلام أبا جعفر
فقَالَ له المنصور: وعليك السلام، فقَالَ:
فأنت المهذب من هاشم وفي الفرع منها الذي يذكر
فقَالَ له المنصور: ذاك رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ:
فهذي ثيابي قد أخلقت وقد عضني زمن منكرُ
فألقى إليه المنصور ثيابه، وقَالَ: هذه بدلها.
أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر مُحَمَّد بن الْحَسَن بن دريد، قال: حدثنا الرياشي، عن مُحَمَّد بن سلام، قَالَ: رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعًا، فقَالَت: أخليفة وقميصه مرقوع؟! فقَالَ: ويحك أما سمعت ما قَالَ ابن هرمة:
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه خلق وجيب قميصه مرقوع
حَدَّثَنِي الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد المبرد، قَالَ: دخل أعرابي على المنصور فكلمه بكلام أعجبه، فقَالَ له المنصور: سل حاجتك، فَقَالَ: ما لي حاجة يا أمير المؤمنين فأطال اللَّه عمرك، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك.
قَالَ: ويحك سل حاجتك، فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت، قَالَ: ولم يا أمير المؤمنين، وأنا لا أستقصر عمرك، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف، وما لشريف عنك منحرف، وإن عطاءك لزين، وما مسألتك بنقص ولا شين، فتمثل المنصور بقول الأعشى:
فجربوه فما زادت تجاربهم أبا قدامة إلا المجد والقنعا
ثم قَالَ: يا غلام أعطه ألف دينار.
أَخْبَرَنَا التنوخي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الرحيم المازني، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي سعد، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو زيد، قَالَ: حَدَّثَنِي أيوب بن عمرو بن أَبِي عمرو أبو سلمة الغفاري، قَالَ: حَدَّثَنِي قطن بن معاوية الغلابي، قَالَ: كنت مِمن سارع إلى إِبْرَاهِيم واجتهد معه، فلما قتل طلبني أبو جعفر واستخفيت، فقبض أموالي ودوري، ولحقت بالبادية فجاورت في بني نصر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سليم، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعًا بالاستخفاء، فأزعمت على القدوم على أَبِي جعفر والاعتراف له، فقدمت البصرة، فنزلت في طرف منها، ثم أرسلت إلى أَبِي عمرو بن العلاء، وكان لي ودا فشاورته في الذي أزمعت عليه، فَفَيَّل رأيي، وقَالَ: واللَّه إذا ليقتلنك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد، وقد بني أبو جعفر مدينته ونزلها، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت الخان ثم قلت لغلماني أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين، فأمهلوا ثلاثًا، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا، ومضيت حتى دخلت المدينة، فجئت دار الربيع والناس ينتظرونه، وهو يومئذ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي، فقام إليه الناس وقمت معهم، فسلمت عليه فرد علي وقَالَ: من أنت؟ قلت: قطن بن معاوية، قَالَ: انظر ما تقول! قلت: أنا هو، فأقبل على مسودة معه، فقَالَ: احتفظوا بِهذا، فلما حرست لحقتني ندامة، وتذكرت رأي أَبِي عمرو، فتأسفت عليه، ودخل الربيع فلم يطل حتى خرج بخصي، فأخذ بيدي، فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بيتًا حصينًا، فأدخلني فيه، ثم أغلق بابه وانطلق، فاشتدت ندامتي وأيقنت بالبلاء، وخلوت بنفسي ألومها، فلما كانت الظهر أتاني الخصي بماء فتوضأت وصليت، وأتاني بطعام، فأخبرته أني صائم، فلما كانت المغرب أتاني بماء، فتوضأت وصليت، وأرخى علي الليل سدوله فيئست من الحياة، وسمعت أبواب المدينة تغلق، وأقفالها تشدد، فامتنع مني النوم، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصي، ففتح عني ومضى بي، فأدخلني صحن دار، ثم أدناني من ستر مسدول، فخرج علينا خادم فأدخلنا، فإذا أبو جعفر وحده، والربيع قائم في ناحية، فأكب أبو جعفر هنيهة مطرقًا، ثم رفع رأسه فقَالَ: هيه؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن بن معاوية، قد واللَّه جهدت عليك جهدي، فعصيت أمرك وواليتُ عَدُوَّكَ، وحرصت على أن أسلبك ملكك، فإن عفوت فأهل ذاك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني.
قَالَ: فسكت هنيهة، ثم قَالَ: هيه؟ فأعدت مقَالَتي، فَقَالَ: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إني إن أصير من وراء بابك فلا أصل إليك وضياعي ودوري فهي مقبوضة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يردها فعل.
فدعا بالدواة ثم أمر خادمًا فكتب بإملائه إلى عبد الملك بن أيوب النميري وهو يومئذ على البصرة: إن أمير المؤمنين قد رضي عن قطن بن معاوية، ورد عليه ضياعه ودوره وجميع ما قبض له فاعلم ذلك، وأنفذه لَهُ إن شاء اللَّه.
قَالَ: ثم ختم الكتاب ودفعه إليّ فخرجت من ساعتي لا أدري أين أذهب، فإذا الحرس بالباب، فجلست جانب أحدهم أحدثه فلم ألبث أن خرج علينا الربيع، فَقَالَ: أين الرجل الذي خرج آنفًا، فقمت إليه فَقَالَ: انطلق أيها الرجل، فقد واللَّه سلمت، فانطلق بي إلى منزله فعشاني وأفرشني، فلما أصبحت ودعته وأتيت غلماني فأرسلتهم يكترون لي، فوجدوا صديقًا لي من الدهاقين من أهل ميسان قد اكترى سفينة لنفسه، فحملني معه، فقدمت على عبد الملك بن أيوب بكتاب أبي جعفر، فأقعدني عنده فلم أقم حتى رد علي جميع ما اصطفى لي.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ: بَيْنَا أَنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، تَبَرَّزَ فَنَزَلَ يَقْضِي حَاجَةً، فَإِذَا الرِّيحُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْهِ رُقْعَةً فِيهَا مَكْتُوبٌ:
أَبَا جَعْفَرٍ حَانَتْ وَفَاتُكَ وَانْقَضَتْ سِنُوكَ وَأَمْرُ اللَّهِ لا بُدَّ وَاقِعُ
قَالَ: فَنَادَانِي يَا رَبِيعُ، تَنْعَى إِلَيَّ نَفْسِي فِي رُقْعَةٍ؟! لا وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ رُقْعَةً، وَلا أَدْرِي مَا هِيَ، قَالَ: فَمَا رَجَعَ مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى مَاتَ بِمَكَّةَ.
قرأت على ابن رزق، عن عثمان بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن البَرَاء، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بن هشام، عن الربيع، قَالَ: حججت مع المنصور أبي جعفر، فلما كنا بالقادسية، قَالَ لي: يا ربيع إني مقيم بِهذا المنزل ثلاثًا، فناد في الناس، فناديت، فلما كان الغد، قَالَ لي: يا ربيع مللت المنزل فناد بالرحيل، فقلت: ناديت أمس أنك مقيم بِهذا المنزل ثلاثًا، وترحل الساعة؟ قَالَ: أجمت، فرحل ورحل الناس، وقربت له ناقة ليركب وجاءوه بِمجمر يتبخر، فقمت بين يديه، فَقَالَ: ما عندك؟ فقلت: رحل الناس، فأخذ فحمة من المجمر فبلها بريقه، وقام إلى الحائط فجعل يكتب على الحائط بريقه حتى كتب أربعة أسطر، ثم قَالَ: اركب يا ربيع، فكان في نفسي هم لا أعلم ما كتب، ثم حججنا فكان من أمر وفاته ما كان، ثم رجعت من مكة فبسط لي في الموضع الذي بسط له فيه بالقادسية، فدخلت وفس نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط، فإذا هو قد كتب على الحائط:
المرء يأمل أن يعيش وطول عمر قد يضره
تبلى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى لا يرى شيئا يسره
كم شامت بي إن هلكت وقائل لله دره
أَخْبَرَنَا ابن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن البراء، قَالَ: ومات أبو جعفر ببئر ميمون من مكة وهو محرم، فدفن مكشوف الوجه، لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، ونقش خاتمه: اللَّه ثقة عبد اللَّه وبه يؤمن، وكان عمره ثلاثًا وستين سنة، وخلافته إحدى وعشرون سنة، وأحد عشر شهرًا، وثمانية أيام.

نام کتاب : تاريخ بغداد ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 11  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست