و الجواب عن ذلك: أن كثرة أحاديث أبي هريرة مع تأخّر إسلامه لا ترجع إلى ما زعموه، و إنّما ترجع إلى انقطاعه عن الدّنيا إلى مجالسه (صلى اللَّه عليه و سلّم) و ملازمته إياه سفرا و حضرا، و إلى دعاء النبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) له ألّا ينسى شيئا من حديثه، و إلى أنه عاش بعد وفاته (صلى اللَّه عليه و سلّم) نحوا من خمسين عاما يأخذ عن الصحابة ما فاته من الأحاديث ثم يرويها للناس.
و أما زعمهم أنه استجاز لنفسه أن يكذب على رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) في غير الحلال و الحرام فباطل من وجوه:
1- أن أبا هريرة من رواة حديث:
«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعده من النّار»،
و ثبت عنه أنه كان يذكره بين يدي ما يريد أن يرويه عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) في كثير من مجالسه.
2- و أن الصّحابة قد أقرّوه على رواية الأحاديث، و رووها عنه، و من هؤلاء: عمر، و عثمان، و عليّ، و طلحة، و الزّبير، و زيد بن ثابت، و أبو أيّوب الأنصاري، و ابن عباس، و عائشة، و جابر، و عبد اللَّه بن عمر، و أبي بن كعب و أبو موسى الأشعريّ [3]، و هذا إجماع منهم على صدقه و أمانته.
3- و أنّ الأحاديث التي رواها أبو هريرة وجد أكثرها عند غيره من الصّحابة.
و أما الأحاديث التي نسبوها إلى أبي هريرة فنجيب عنها بما يلي:
1- الحديث الأول في الرّواية بالمعنى لا فيما زعموه من إباحة الكذب عليه (صلى اللَّه عليه و سلّم) و لم يروه أبو هريرة بل رواه غيره.
روى الحافظ الهيثميّ عن يعقوب بن عبد اللَّه بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جدّه قال: أتينا النّبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) فقلنا له: بآبائنا و أمّهاتنا يا رسول اللَّه إنا نسمع منك الحديث، فلا
[1] أخرجه الطبراني في الكبير 7/ 117. و ذكره الهيثمي في الزوائد 1/ 157. و الهندي في كنز العمال حديث رقم 29215، 29469.
[2] ذكره الهيثمي في الزوائد 1/ 155 و قال رواه البزار و فيه أشعث بن براز و لم أر من ذكره.
[3] راجع في ذلك مستدرك الحاكم 3/ 513 و تاريخ ابن كثير 8/ 108.
نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 70