نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 54
كان عصر الخلفاء الراشدين، و عصر كبار الصحابة عصرا يحمل طابع التّقوى و الصّلاح و التّمسك بروح الدّين و الفضيلة التي عرفوها من الرّسول (صلى اللَّه عليه و سلّم).
هذا العصر الّذي امتاز بالهدوء و النّظام، و لم تختلف فيه وجهات النّظر كثيرا في الحكم بين الأمّة و حكامها، و كان عصر انتصار يقود من نصر إلى نصر، و من فتح إلى فتح، و اتّسعت به رقعة البلاد الإسلامية و امتدت أطرافها و نعم الناس فيه بنعمة الدّين و الدّنيا.
و من هذا يتّضح أن الصحابة (رضوان اللَّه عليهم) تفرقوا في البلاد المفتوحة حاكمين و معلّمين حرّاسا و مرابطين قضاة و مفتين، و آثر بعضهم البقاء في المدينة كزيد بن ثابت و عبد اللَّه بن عمر، ففي مكّة كان عبد اللَّه بن عباس، و ذهب إلى الكوفة عبد اللَّه بن مسعود، و إلى مصر عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، و إلى الشّام معاذ بن جبل و عبادة بن الصّامت و أبو الدّرداء، و إلى البصرة أبو موسى الأشعريّ، و أنس بن مالك، و كانت الأمصار متعطّشة إلى معرفة تعاليم الدّين الإسلاميّ الّذي بزغ نوره منذ فجر قريب، فأقبل أهل كل مصر على من نزل بهم من الصّحابة يغترفون من بحورهم و يستفتونهم و يتعلّمون منهم، و اكتفى كل مصر بما عنده، و وثقوا به لقلة الاتّصال و صعوبة المواصلات.
و لم يكن الصّحابة جميعا في العلم و الفهم و معرفة أحاديث الرّسول (صلى اللَّه عليه و سلّم) سواء، فمنهم من لازم النبي (صلى اللَّه عليه و سلّم) مدّة طويلة، فسمع من الحديث أكثر من غيره و منهم من لازمه في الغزوات و الأسفار، و منهم من لم يظفر بذلك.
و قد كان لهؤلاء الصّحابة آثارهم الخاصّة في البلاد التي استوطنوها أو نزلوا بها ممّا تركوا فيها من ثروة تشريعية كبيرة، و بما كان لهم فيها من تلاميذ أخذوا عنهم علمهم و فقههم و خلفوهم في التّشريع و إفتاء الناس. و قاموا بما كان يقوم به أساتذتهم من الصّحابة، و ذلك هم التّابعون كسعيد بن المسيّب بالمدينة و مجاهد و عطاء بن أبي رباح بمكّة و إبراهيم النّخعي بالكوفة و ابن سيرين و الحسن البصري بالبصرة و مكحول و عمر بن عبد العزيز، و أبي إدريس الخولانيّ بالشام و طاوس باليمن، و يزيد بن حبيب بمصر.
و تبعا لشخصيّات الصّحابة و مناحيهم في التشريع و تبعا لشخصيّات تلامذتهم الّذين ترسّموا خطاهم، و نظرا لاختلاف عادات البلاد و تقاليدها و اختلاف معيشتها و أحوالها الاجتماعية، و الاقتصادية أخذت تبرز الخلافات التّشريعية في الأمصار المختلفة، و بدأت تتكوّن المدارس الفقهيّة في هذه الأمصار و تظهر آثارها واضحة جليّة.
و في مقدمة هذه المدارس و مكان الصدارة منها كانت تقوم مدرسة المدينة و مدرسة الكوفة، و بعبارة أخرى مدرسة الحجاز، و مدرسة العراق، نظرا لما تركتاه من آثار تشريعية
نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 54